تمر بلادنا والعام من حولنا بأزمة غير مسبوقة تتهدده في حياته وصحته وأمنه، وهو ما يعتبر من المسلمات واليقينيات جراء جائحة كوفيد 19. إنها أزمة غير مسبوقة، لسوف تُغيّر كثيرا من القواعد الناظمة في العالم، وتخلخل سُلم الأولويات، وتنذر بتحولات عميقة.
لكننا لسنا في هذا الآن. ما يتحتم هو تدبير المرحلة، على المستوى الوطني، في أفق الخروج من الأزمة. نعي أن الخروج منها يكمن في تضافر جهود الجميع من أبناء الوطن، وتكاتف المجموعة الدولية. لقد علمنا الكوفيد 19 أن العولمة ليست في المكاسب، حين تكون، ولكن في الأخطار كذلك.
يتوجب الإشادة بما قامت به السلطات العمومية، من أي مستوى كانت، باستباقها للأمر، وتعبئتها للجهود وتجندها وتضحياتها، كما تجدر الإشادة بكل الطواقم الطبية، والقوى الحية لبلادنا ومكوناته التي أبدت إحساسا عاليا من التضامن والمسؤولية. إنه رأسمال مهم أثناء النوائب والخطوب والأزمات من شأنه أن يخفف من العبء ويستحث الهمم في المستقبل.
لقد كان الحِجر الصحي ضرورة، رغم الإكراه الذي يشكله على مناحي الحياة العامة، والاضطراب الذي يحدثه على مستوى الحياة الخاصة. فلْنجعلْ منه مناسبة للتفكر والتأمل، في القواعد الناظمة للحياة العامة، كما في حياتنا الخاصة.
إننا ندرك أهمية الوطن، لأن لا أسرة نأوي إليها في النوائب سوى هذا الشعور الذي يسري فينا جميعا بالانتماء ويستحثنا على التضامن والبذل والتضحية. إننا ندرك أن البيت الذي نفزع إليه حين الأزمات والخطوب هو الدولة. قوة الدولة من عزة وطنها، وعزة الوطن من شعور الانتماء. ولا شك أننا محتاجون، أكثر من أي وقت مضى، لهذا الكيان الذي هو الدولة، المعبر عن العقد الاجتماعي، محتاجون له في الأمن، ولكن في الرعاية كذلك.
من الحذلقة، الآن، المضاربة في الأشكال التي سيأخذها العالم. لقد قيل في ذلك الشيء الكثير. لكن الأولوية ينبغي أن تنصرف لبلادنا، من أجل تدبير المرحلة، والخروج منها أكثر قوة وصلابة.
ليس الرهان في تدبير المرحلة وحدها، بل فيما بعدها، مما يستوجب الإبقاء على شعلة التضامن والتعبئة والتجند.
إن المهم في الظرفية الحالية هو الإبقاء على المعنويات، وعدم تشتيت الجهود في السفاسف والترهات، أو تبخيس عمل السلطات العمومية. ينبغي الحفاظ على ذات الروح التي أبان عنها شعبنا في الحال والمآل، لأن تأثيرات الأزمة على كل أوجه الحياة العامة والخاصة ستكون عميقة، ولا يمكن التغلب عليها إلا بالتضامن وروح المسؤولية، والتعبئة المستمرة.
التغيير ليس ما نرقبه، بل ما يفاجئنا. فلنجعلْ منه كما الريح في القوارب الشراعية قوة دفع تهب لصالحنا. لنجعله في خدمتنا، وسيكون كذلك بهذه الروح العالية التي أبان عنها شعبنا، من التضامن والمسؤولية.
لسوف نخرج من الأزمة أكثر قوة ومناعة وصلابة، ما أبقينا على شعلة التضامن، وأدركنا أن الوطن قوي بمكوناته، كلها، من دون استثناء، ومن دون تمييز أو تميز، وتبينا أنه عزيز بالقواعد التي ترسخ الانتماء، والتي تجسدها الدولة، في كل مهامها الحاضرة والمستقبلية، في الأمن والرعاية.
نعم، نستطيع أن نحول مجرى الأمور، بالأمل والثقة، والتضامن والوعي، وألا يكون ذلك مجرد شعار.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير