عرفت السنوات الأولى لاستقلال المغرب مواجهات بين رفاق الأمس في النضال ضد المستعمر، غير أن العنف الثوري ظل في حدود المعقول، حسب ما خلص إليه المتتبعون لمسارات الحركة الوطنية.
ثمة قاعدة طبيعية تتحكم في تطور العلاقات بين المناضلين والرفاق حين تتحقق لهم غاية العمل الثوري ويتمكنون من الحكم ويصبحون أسياد الموقف، يتحولون إلى أعداء وغالبا ما ينتهي بهم الأمر إلى الاقتتال والقتل والاغتيال، وفي أحسن الأحوال إلى الإقصاء والنفي وفرض الإقامة الجبرية… وفي الأحوال جميعها، فإن الطرف المنتصر ينحو إلى الاجتهاد لمحو الآخر من الذاكرة الجماعية وإن أدى الأمر إلى طمس الحقائق ولي عنق التأريخ… إنها سنة لله في السياسة. والمقولة المعهودة حين التعليق على الظاهرة هي «الثورة تأكل أبناءها». وقد أوضح المؤرخ الروسي روي مدفيديف Roy Medvedev جراء مسحه لجذور وتداعيات الستالينية في كتابه «لنترك الفيصل للتاريخ «Let History Judge»، أن منطق السلطة والرغبة في امتلاكها يؤدي بالمناضلين إلى الانتصار للاحتكار الضيق للسلطة وتقليص عدد ممتلكيها، وهي عملية تؤدي حتما إلى التصارع لتنتهي باقتصارها على رجل واحد، يتحول إلى زعيم وحيد يهيمن على المشهد السياسي ويمتلك «سلطة لا حدود لها»، سلاحه في سعيه شعارات طنانة مثل «الثورة المستدامة»، و«القضاء على الفلول»، و«التصحيح»، و«الثورة الثقافية»… إن عنف ما بعد الثورة غالبا ما يكون بقدر أكبر بكثير من عنفها زمن النضال، ومن ثمة فهو عنف يعصف بالرفاق بشكل أكثر مرارة من الأعداء الخصوم والمناوئين.
والبين أن حالة المغرب لا تخرج عن القاعدة، وإن وجب تقييم الظاهرة وفق معايير خاصة، والقيام بمقارنة بما آلت إليه الأمور في أقطار تتقاسم مع المغرب جملة من المميزات (مثلا تونس).
محمد حاتمي
تتمة المقال تجدونها في العدد 14 من مجلتكم «زمان»