حرص المرابطون والموحدون على تعليم أبنائهم تعليما زاوج بين النظري والعملي، كما تلقوا تربية عسكرية صارمة، وشكل عدد من الأمراء أول البعثات العلمية إلى الأندلس.
لفهم موضوع تربية الأمراء، وجب أولا فهم طبيعة الدولة في مغرب العصر الوسيط، فالدولة تشكلت أساسا انطلاقا من عصبية بشرعية الغلبة قبل أي شرعية أخرى، مما أفضى إلى فهم احتكاري للسلطة. فكان لزاما أن يتربى الأمراء على هذا الأساس للحفاظ على هذا الإرث السلطوي، وتنميته ما استطاعوا إليه سبيلا، فتلقوا تربية زاوجت بين النظري والعملي تؤهلهم لتدبير شؤون الدولة.
معلمون أندلسيون
حرص أمراء المسلمين المرابطين والخلفاء الموحدون تعليم أبنائهم تعليما متينا يؤهلهم للاضطلاع بأعباء الحكم، وانتقوا كبار العلماء لتعليم أبنائهم وتأديبهم وتربيتهم، وقد كان عدد من هؤلاء العلماء أندلسيين. سلك الحكام في هذا طريقين أساسيين، فاختار بعضهم إرسال أبنائهم إلى الأندلس للتعليم والتكوين مثل ما حدث مع إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، وتاشفين بن علي. وآثر البعض الآخر استقدام المؤدبين والمعلمين إلى بلاط مراكش للقيام بهذه المهمة. ولهذا الغرض، استقدم مثلا أبو العباس التذميري أحمد بن عبد الجليل، وغيره كثير. ولا غرو أن تقريب الحكام المرابطين لفقهاء وعلماء وأدباء وفلاسفة طبقت شهرتهم الآفاق، كمستشارين لهم أو وزراء، يدخل في هذا الباب، مثل مالك بن وهيب الإشبيلي الذي نبغ في الأدب والفلسفة، عينه الأمير علي بن يوسف (500-538هـ/1106-1143م) مستشارا سياسيا وقضائيا في ديوانه، وأبو بكر ابن باجة الفيلسوف الذي كان مهتما بالطب والرياضيات والفلك والأدب والموسيقى، وعلماء بيت ابن زهر الأندلسيون… فحتى إذا كان الأمراء المرابطون لم يتلقوا تعليما مباشرا عن هؤلاء، سواء في المغرب أو الأندلس، فإن الجلسات العلمية والمناظرات التي كانت تعقد في القصور، يمكن اعتبارها حلقات دراسية استفاد منها الأمراء في تكوينهم.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 46-47 من مجلتكم «زمان»