يعود أحمد مسعاية، المدير الأسبق للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، في هذا الحوار إلى البدايات الأولى للمعهد الذي تأسس في عام 1986، ويستحضر فيه كيف تم تدبير غياب أطر مغربية للتدريس، من خلال جلب أساتذة من بلدان أخرى لها باب طويل في المسرح، وكيف حقق مكتسبات من حيث تخريج ممثلين ومخرجين وسينواغرافيين لدعم الحركة المسرحية، وكيف تراجعت كل هذه المكتسبات، “بعد رجوع اليمين إلى وزارة الثقافة”، على حد قوله، وأصبح يتم «تصدير» العشرات من الخريجين إلى الخليج.
كيف كانت البدايات الأولى للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي؟
الكل يعلم أن ميلاد المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي كان قيصريا. فبالرغم من تداول فكرة إنشاء مدرسة تعنى بالتكوين الأكاديمي في ميادين المسرح والتنشيط الثقافي، من لدن عدة وزراء قبل مجيء محمد بنعيسى إلى وزارة الثقافة دون تطبيقها على أرض الواقع، إلا أن الفضل يرجع إلى هذا الأخير الذي كرس الفكرة وأنشأ المعهد سنة 1986. مع الإشارة إلى أن هذه السنة كانت «سنة الثقافة المغربية»، وكان قرارا من طرف الراحل الملك الحسن الثاني. في هذه الفترة، أيضا، تمت عدة إنجازات لفائدة الثقافة. هذه الإنجازات التي تشكل محور اشتغالي في كتاب شامل سوف يصدر قريبا، يتناول بالإضافة لهذا، قضايا مرتبطة بالمعهد ومشاركة خريجيه في مختلف الأنشطة التي رعاها هذا الأخير.
عند إحداث المعهد إذن، أُسندت إدارته للأستاذ أحمد بدري. كانت البداية صعبة للغاية نظرا لانعدام الإمكانات المادية وحداثة المناهج البيداغوجية المتبعة، فإيجاد فضاء لائق وأطر وإمكانات مالية كافية، لتسيير مؤسسة مثل هذه، يتطلب قدرات مادية وبشرية هائلة نظرا لطبيعة التكوين الذي أُسند اليها.
وبعد مرور ست سنوات على افتتاح المعهد، تم تعييني من طرف السيد محمد علال سيناصر، آنذاك وزيرا للثقافة، على رأس المؤسسة. لا أخفي عنكم سعادتي لإدارة هذه المؤسسة الفنية وخلافة الأستاذ بدري الذي أسس للمعهد، ووضع لبناته الأولى بمساعدة عبد الواحد عوزري. لكن، بالمقابل، لا أخفيكم سرا أيضا أنه واجهتني صعوبات كثيرة منها على الأساس النقص المهول للأطر التربوية الكافية والمتنوعة، لا سيما وأن الأستاذ جمال الدين الدخيسي كان قد غادر المعهد، مباشرة بعد تعييني، لشَغل وظيفة رئاسة قسم المسرح بوزارة الثقافة، وهو الذي كان آنذاك المحور الرئيسي لتدريس المسرح. فكان علي تدبير الوضع بسرعة وفعالية لإنجاز مسؤوليتي كمدير لتلبية انتظارات طلبة اختاروا ميدانا له خصوصياته.
كيف دبرتم غياب أساتذة مغاربة متخصصين في تدريس المسرح؟
بحكم تجربتي الإدارية والبيداغوجية الطويلة والتي لا مجال لذكرها الآن، لاحظت في الوهلة الأولى أنه لا مفر من الاستعانة بأطر أخرى لها دراية، في آن واحد، بالجانب المعرفي الواسع للفن المسرحي وبالخبرة في المجال البيداغوجي. ومعلوم أن هذا النوع من المؤطرين يكاد ينعدم في محيطنا الفني، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، كان لا بد من تكريس الانفتاح على الثقافات الأخرى والتجارب الفنية المتنوعة عبر العالم. فالتجأت إلى إمكانيات التعاون الدولي لا سيما، كما قلنا في السابق، وأن الإمكانات المالية كانت ضئيلة جدا.
حاوره عمر جاري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 84 من مجلتكم «زمان»