العنصرية مشكل يعني البشر والإنسانية بأكملها. الجميع تابع مثلا مقتل الأمريكي جورج فلويد، وهو “أسود”، على يد شرطي “أبيض”. كاد الحادث يعصف بالبيت الأبيض، أي بأول وأقوى دولة في العالم. الانزلاق الأمني لا يكفي لتفسير الفاجعة. والجريمة في حد ذاتها لا أكثر. ما يفسر قوة الواقعة هو رائحة العنصرية التي تفوح من كل مسامها.
واقعة ثانية هزت مسامعنا وأعيننا، ألا وهي الانتحار المفجع لشابة مصرية أثناء اعتقالها. سارا حجازي تركت ورقة، شهادة، توثق لعملها هذا. إنها شابة مثلية، انتهكت حقوقها، قُمِعَت واضطُهِدَت عقليا وجسديا، لا لشيء إلا لأنها مثلية. ومورس عليها أقصى أنواع ودرجات التمييز العنصري…
العنصرية كره وتمييز وتحقير. وقمع يصل للتعذيب وحتى القتل.
الفاعل هو السلطة، بمعنى القوة. والقوة تكون فردية أو جماعية. وفي جميع الأحوال يبقى الفاعل الأساسي هو البنية الثقافية والعقلية للمجتمع. ما وقع في مصر والولايات المتحدة، وإن كانت له دلالة سياسية، فهو يعبر أولا وقبل كل شيء عن ثقافة معينة وتكوين فكري / عقلي موجه. وبالمقابل تبقى الضحية، فردا كانت أم جماعة، هي الأقلية: العرقية، الدينية، السياسية، الجنسية، إلخ. في المغرب كما سائر البلدان، العنصرية قد تكون منهجية، أي عبارة عن قوانين وأعراف تستثني الآخر وتشيطنه. هذه العنصرية المسطرة، الثابتة، القارة، “العادية”، تندمج مع مسار وطقوس الحياة اليومية وتكاد لا تصدم أحدا، باستثناء ضحاياها. وقد تكون فردية، منبثقة عن “حماق” شخص معين في ظرف معين. وحتى في هذه الحالة، فإن الجنون الفردي يعكس ثقافة سائدة، أي مرض “عمومي”.
قد يربط البعض التمييز العنصري بـ”الحگرة”. والأمر يبدو منطقيا. لأن العنصرية والحگرة ينطلقان من مفهوم الظلم والتعسف الذي تمارسه فئة على حساب أخرى. دون أن ننسى فكرة “التفوق” الذي يخول لشخص ما أن يمارس طقوسه العنصرية.
وإذا كانت العنصرية أشكال وأنواع، تبقى العرقية منها هي المهيمنة. ولها خلفية عميقة تتجذر في التاريخ المنسي للبشرية. العنصرية التي تمارس على حساب “الأسود” لم تأتي عن طريق الصدفة. هناك أحداث تاريخية وأعراف واعتقادات تكرسها. الشيء نفسه والامتداد الثقافي نفسه يطبع التمييز العنصري الممنهج الذي يمارس على حساب أقليات أخرى كاليهود مثلا…
كريم البخاري
مدير التحرير