في الحوارات الصحافية، على الجرائد الورقية وشاشات التلفزة وعلى أمواج الإذاعات وفي الحوارات الفردية والنقاشات العمومية، تعود فكرة يبدو أنها أصبحت مقبولة وليس لأحد الحق في التشكيك في صدقيتها. مفاد هذه الفكرة التي يبدو أن العرب أيضا أصبحوا يؤمنون بها دون إعادة النظر في جذورها، «إسرائيل دولة ديمقراطية، تحارب تنظيما غير ديموقراطي، ولذا لها الحق الكامل في استعمال العنف والقوة للقضاء عليه» .يتعلق الأمر بتنظيم حماس الذي ما إن يفتح العربي فمه للخوض في نقاش حول الحرب الدائرة في غزة حتى يطلب منه أن ينطق بالشهادة «هل تعتقد أن حماس منظمة إرهابية أم لا؟». ليس للعربي الحق في التلعثم أو التفكير أو التريث في الجواب. يجب أن يكون الجواب غريزيا: «نعم، حماس تنظيم إرهابي». هذا الجواب يجر أجوبة عن أسئلة أخرى تفضي كلها إلى أن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها ضد تنظيم إرهابي. ولها الحق لأنها دولة ديمقراطية وصلت إلى السلطة بالانتخابات وأن حماس…
هنا تطرح مشكلة كبيرة .ذلك أن حماس ومجموع الفصائل الفلسطينية في غزة وصلت إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع. ألا يمكن أن تعتبر ديمقراطية؟ هنا يمكن للنقاش أن يصبح قانونيا وفلسفيا أكثر منه صحافيا. ما هي الديمقراطية؟ أليست هي الوسيلة التي أوصلت العنصري والفاشي إيتمار بن غفير الوزير الذي يتحكم في رقبة بنيامين نتنياهو؟ أليست نفس العملية التي وصل من خلالها زميله بتسلئيل سموتريتش إلى نفس المقعد؟ ألا يمكن اعتبار هذين الوزيرين إرهابيان؟ ألا يسلحان المستوطنين ويشجعانهما على قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم؟ ومع ذلك لا يمكن لأية سلطة في العالم أن تتدخل لتوقيفهما وتقديمهما للعدالة. هذه هي الديمقراطية.
ما الفرق بينها وبين الديمقراطية في إيران؟ ألا يقدم مجلس صيانة الدستور مرشحين، ويطلب من الشعب اختيار أحدهم؟ وما الفرق الديمقراطية إياها والديمقراطية في روسيا؟ ألا تتقدم أحزاب ببرامجها ومرشحيها وتنظم حملات انتخابية علنية تفضي إلى انتخابات عامة؟ ما الفرق بين الديمقراطية الغربية (أوربا وأمريكا وإسرائيل) ومن سار في فلكهم والديمقراطية في الصين؟ من الأجدر أن يسمى ديموقراطيا؟ الصيني، الإيراني الروسي أم الإسرائيلي؟ لماذا يتحدث الغرب عن القوة الروسية والصينية والإيرانية على أنها ديكتاتوريات ويستثني إسرائيل؟ ألم تخرج مظاهرات منددة ببنيامين نتنياهو قبل أحداث السابع من أكتوبر 2023؟ هل أنصت الوزير الأول الإسرائيلي “الديموقراطي“ لصوت الشعب ونظم انتخابات جديدة؟ أم أنه تشبث بمقعده خوفا من مقصلة المحكمة والذهاب إلى السجن؟ كيف يمكن أن يتحالف الديموقراطي مع الفاشيستي العنصري؟ أية ديمقراطية هاته التي يتبجح بها الغرب عندما يدافع عن إسرائيل؟
إنها ديمقراطية استباحة الدماء التي نشأت في أمريكا وهي تجتث جذور الثقافات الأصلية وتؤسس لنظام يقرر أن كل من لا ينتمي للأمريكي يجوز قتلُه دون تردد. إنها ثقافة الويسترن (رعاة البقر). تقرر الدولة في المركز أن الأرض الفلانية متاحة للأمريكي فتتقاطر جحافل القتلة المأجورين للسطو عليها لصالح من يؤدي أكثر .وكل من دافع عن أرضه يعتبر بموجب قانون أمريكا خارجا عن القانون. وإذا دافع عن أرضه بالسلاح، فإن السلطة تستعمل كل الوسائل للقبض عليه ومحاكمته وشنقه أو الحصول على جثثه باستعمال المال وبمساعدة القتلة المحترفين. هذه هي الديمقراطية التي يتحدث عنها المحللون في القنوات الغربية والتي يقدمونها دليلا على صدقية ردة فعل إسرائيل تجاه أحداث السابع من أكتوبر .2023
قبل بداية الهجوم على غزة، قدرت إسرائيل عدد المقاتلين الفلسطينيين بما يناهز خمسة وعشرين ألفا. هذا العدد يتواجد وسط شعب من مليونين ونصف مواطن غزاوي. أي أن كل مقاتل فليسطيني يوجد بجواره مائة فلسطيني غير مقاتل. مائة فلسطيني من الشيوخ والأطفال والنساء والمعاقين منهم الأعمى والمقعد جميع أنواع المعطوبين الذين خلفتهم حروب إسرائيل السابقة وطول الحصار ونتائجه على صحة المواطنين… لكن في تصريح لنتنياهو لجريدة أمريكية قال إن عدد القتلى المدنيين لا يتجاوز مدني لكل مسلح من حماس. هذا يعني إذا كانت الأرقام التي أدلت بها المنظمات الإنسانية العاملة في الميدان صحيحة والتي تفيد بموت أكثر من عشر آلاف طفل، فإن نفس العدد قد قتل من أفراد حماس، ناهيك عن عدد النساء والشيوخ والمرضى. بهذا المنطق تكون حماس قد انتهت وأن على الحرب أن تتوقف.
لا، لا يمكن فالحرب عند الديموقراطي هي العثور على الشخص الذي حدده كمجرم وتقديمه للناخبين، للشعب كفدية لفرد قتل في بلد الديمقراطية. لا يهم من قتل من الأبرياء. هؤلاء يقدمون كعربون على نجاعة القتال والمقاتلين الديموقراطيين. إنهم يحملون اسما يجمعهم تحت يافطة الأضرار الجانبية.
هكذا يمكن أن نحدد هوية الديمقراطية الغربية: أنا ديموقراطي، إذن أنا قتَّال.:
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير