لم يولِ مؤرخو الأوبئة المعاصرة والحديثة الاهتمام الكافي لأنفلونزا هونغ كونغ (1968-1969)، رغم كونها أودت بحياة حوالي مليون شخص في مناطق مختلفة من العالم.
ظهرت هذه الأنفلونزا، أولا، بالصين في يوليوز 1968، لكنها انتشرت أكثر في هونغ كونغ، وحصدت حوالي 15 في المائة من سكان الجزيرة. ثم عبرت الحدود إلى البلدان القريبة، من بينها الفيتنام، حيث كان الجيش الأمريكي يخوض حربا هناك. لكن دون أن يدرك أن عدوا آخر يتربص به. إذ نقل عدد من جنوده، الذين سمح لهم بمغادرة ساحة المعركة، العدوى إلى بلادهم، لتنتشر كالنار في الهشيم، وتقتل ما يناهز 50 ألف شخص في ثلاثة أشهر فقط. وفي فرنسا، ذهبت بأرواح حوالي 31 ألف نسمة، وبآلاف أخرى في جهات أخرى من العالم.
سيرج جومان، أستاذ التاريخ في الجامعة الحرة ببروكسيل، وصف أنفلونزا هونغ كونغ بأنها أول وباء عرفته البشرية في الفترة الحديثة. “تميزت بسرعتها في الانتشار نظرا للتطور السريع لوسائل النقل، خاصة الجوي”، يذكر المؤرخ البلجيكي، مشيرا إلى أنها وصلت إلى أوربا عبر موجتين، غير أن الثانية، التي تسللت إلى القارة العجوز في شتاء 1969، كانت أكثر فتكا بالناس وإضرارا بالاقتصاد والحياة اليومية.
في فرنسا، مثلا، وجد أكثر من 10 في المائة من السككيين عاطلين عن العمل، فيما أغلقت العديد من المدارس بسبب نقص في الأساتذة. ومع ذلك، لم تشكل أنفلونزا هونغ كونغ العناوين الرئيسية للصحف أو في الإذاعة والتلفزيون، مقارنة بالواقع الحالي الذي فرضه فيروس كورونا على الجميع.
حتى رجال السياسة اعتبروا أن تلك الأنفلونزا مجرد موجة عابرة، سرعان ما ستتبخر في الجو. كانوا ما يزالون مشغولين أكثر بتحليل أسباب وتداعيات أحداث ماي 1968. بل إن حتى رجال الطب والعلم لم يتعاملوا مع الوباء بالجدية المطلوبة. ففي أكتوبر 1969، عقدت منظمة الصحة العالمية مؤتمرا دوليا حول أنلفونزا هونغ كونغ، وخلصوا في النهاية إلى أنها أصبحت من الماضي، لكن خلال شهرين، سقط بسببها عدة آلاف من الضحايا.
مع ذلك، ظلت منسية، لأن السياسيين والأطباء ووسائل الإعلام اعتبروها حينئذ، مجرد نزلة برد لن تدوم طويلا.