استمعت إليك أخي “الموريسكي“، إن قبلت بي أخا، وأنت تغضب لهذا المسخ الذي تعرفه الثقافة في بلادنا، إذ يتجرأ عليها الرعاع، ويتطاول عليها الدهماء، وهذا التلفيق الذي يجريه بعض المجترئين، فيَقرنون اسم كبور، وهو من أسماء السَّفَلة، مع أسر عريقة المجد، كريمة المَحتد. تاريخ هذا البلد شأن الموريسكيين، من بعثوا الحضارة، وحملوا المعرفة، وأشاعوا الوعي، ورفعوا مشعل الحركة الوطنية، وأدخلوا الطباعة، فهل من العدل أن يُحشروا مع من هو من أمزميز وحاحة .وأي عطاء لهؤلاء، يذكر، في الطرب والآلة، والعمل الفاسي، والطرز، ومعرفة بـ“التوتي“، و“الصواب“ و“التاويل“. قُصارى ما يمكن أن يطلب منهم، ومن لف لفهم، أن يموتوا حين يحتاج الوطن لمن يذود عن حماه. لا بد أن يُسقى غرسه، ولا ضير أن يُسقى من دماء الدهماء. وهل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون. وأنت من أصحاب العلم، وأصدّقك في زعمك. مع أنني، عن جهل مني وتقصير، لم أقرأ لك، ولم أسمع عنك. أُعذرني.
وددت أخى “الموريسكي“ أن أشاطرك رأيك، لولا جهل مني مستحكَم، وهو أن مصطلح الموريسكيين، مستحدث، نحتته محاكم التفتيش، لمن كانوا يُعرفون عندهم بالمسيحيين الجدد بعد إذ سقطت غرناطة، في سياق تاريخي معين، وكان المصطلح قدحيا، شأنه شأن مارانوس لنعت اليهود. ولم يُعرِّف هؤلاء النازحون إلى المغرب أنفسهم إلا بـ“أل أندلس“، أو الأندلس، إذ حلوا في الرباط، أو سلا الجديدة كما كانت تُعرف، وبتطاون (اعذرني أن أذكّر أن كلمة تطاون بربرية، لا أجرؤ استعمال كلمة أمازيغي وأنا أحدثك، وتعني العيون) وبالشاون، (وهي الأخرى كلمة أمازيغية تعني القرون)، وبِدْرا، أي نعم، (التي تنطق بالعربية درعة، وهو تحريف، ودرا شرف لله قدرك، هو الخصب بلغة البربر، ومنه تودرت الحياة). ولا أدري كيف أطلقت تلك الأماكن على ذاتها تلك الأسماء .ولكن لا مشاحة في مصطلح موريسكي، فقد جرى وسرى، وهو يعني قصرا من رُحِّلوا بعد 1609 ولا ينسحب على من حل من الأندلسيين قبلها، في العدوة، كما كان يقال حينها .لا يختلفون من حيث الحقبة وحدها، بل كذلك من حيث المميزات، فقد كثرت الهجرات من الأندلس نحو المغرب، كما تعلم، أو تجهل، بعد موقعة العِقاب سنة 1212، وكانوا من علية القوم، ومتفنقين في النعيم حسب تعبير ابن خلدون، وبلغة موليير التي لا ترى ضيرا أن ترصع بها حديثك “Raffinés”، يحملون أسماء عربية، ويذيلونها بلقب التجلة “أون“ فيضحى خالد: خلدون، وجلول: جلون، والأشقر: شقرون، وحاييم: حيون. كانوا متقنين للعربية .استقروا بفاس في المغرب، وبعضهم بسلا. أما الموريسكيون فلم يكونوا يحملون أسماء عربية، ولا كانوا يعرفون العربية، ومنهم من يحمل اسمه حرف الباء الفارسية أو“ “Pاللاتينية، الذي حسب علمي لا يوجد في لغة العرب، ومنهم بلامينو، وبيريز، وبلافريج.. أو صفات إسبانية، كما بلانكو وصباطا وصوردو، فهل يجوز أن نطلق الخاص على العام .هذا عن المورسكيين، وأنت من فاس الفيحاء، رفع لله عمَدها، وما كان حريا بك أن تخلط ما المورسكي، وما الأندلسي، وما المستعرب، وما المدجن .أم أن ذلك سواء لديك، وأنت تُحدث عن “الأفّاقيين“.
ولا أدري إن سمعت برحلة العبدري، الحاحي، أعزا لله أمرك، ووقاك كل مكروه، وكيف استأثرت باهتمام “المغرضين“ من المستشرقين، وخصها محمد الفاسي، وما أدراك ما محمد الفاسي، بدراسة مستفيضة، وحققها عبد الهادي التازي، ولم ير هذان العَلمان، وهما من هما، ومن بيوت فاس العامرة، غضاضة في الفخار بشخص من حاحة، شرف لله قدرك، وبما يعلى راية المغرب، فتح لله عليك. وهل وقفت على ما كتبه لسان الدين ابن الخطيب، عن “بربر“ هنتاتة، في الأطلس الكبير أو درن درن، (أو جبل الجبال) وما قاله عن طرائقهم ورِقتهم، وهم أرومة ذوي أمزميز، هؤلاء الذين تزري بهم.
فاس، فاسنا جميعا، وهي بوتقة. ولذلك، قيل عن صواب، «حتى واحد ما اخرج من خصة مولاي ادريس». وما يزال العمق الأمازيغي بها ماثلا، في الأماكن، كما جبل تغات (النعجة)، وزلاغ (التيس)، ودار إسلان (العروسين) بل حتى فاس كلمة أمازيغية، وتعني اليمين، أي الضفة اليمنى من النهر الذي أنشئت عليه المدينة، وفي بنية اللغة، (ماش نقولك) التي هي ترجمة حرفية للأمازيغية (أذاك تيتيغ)، واقعد قدامي بمعنى جنبي، وليس أمامي، هو ذات التعبير بالأمازيغية (تمان) التي تعنى أمامي وجنبي، وفي أسرها التي ما تزال تحمل أسماء أمازيغية، كما الزغاري، والغساسي، والرغاي، والمرنيسي، ولا يتسع المجال.
نحن مغاربة، نفخر بكل ما يَزين المغرب ويرفع هامته ونُزري بما يَشين له، ومنه عصبية الأقوام وصفاء الأجناس، واستعلاء قوم على قوم، ومن جهل مركب ومقدس. وقد ورد في محكم التنزيل «ولا يسخرْ قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم».
والناس أعداء ما جهلوا. وقانا لله وإياك شره.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
أثارني هذا الاسلوب الللبق و الساخر في نفس الوقت الذي اختاره الدكتور حسن أوريد لدحض و تفنيد دعوى هذا المنتحل لصفة المواطن الموريسكي الذي ألح على الازراء بأبناء هنتاتة الأصلاء ذوي الأرومة الأمزميزية الخالصة. و هو مازاد من فضولي لمعرفة ماذا قال هذا المواطن الموريسكي ضد حاحا و أمزميز و ما الذي دعاه إلى التهجم على من أسماهم بالرعاع و دهماء القوم ؟.
تشكراتي الخالصة للأستاذ و مزيدا من العطاء و التوهج لمجلة زمان .
الله يعطيك الصحة سي حسن
المورسكي لفظ قدحي كالجزائريين للمغربي “مروكي” بالشدة
شكرا لك على لمحتك التاريخية المضيفة والمصلحة لما فقد من معلومات
استمتع بمقابلتك وبكتاباتك