المخطط الإرهابي، الذي أجهضته المصالح الأمنية مؤخرا، وكان في مراحل متقدمة، ويتميز بخطورته، لأنه يتوزع على مجموع التراب الوطني، ويستهدف مؤسسات أمنية واقتصادية مهمة، من بلادنا، ويجنح في جانب منه إلى استعمال السلاح الحربي، انجراف خطِر في مسلسل الإرهاب واستعمال العنف في وطننا. لا يمكن إلا أن نُشيد بالمصالح الأمنية، بكل مؤسساتها وعناصرها، على يقظتها واحترافيتها، إذ لا يمكن التساهل في أمن الدولة والمواطنين، وسلامتهم وسكينتهم. أهم عنصر في العقد الاجتماعي هو الأمن ضد كل ما يتهدده خارجيا، وداخليا .وضرب الأمن أو تهديده، هو استهداف للعقد الاجتماعي، ولا يمكن التهاون في ذلك. تجنح الدول حينما تتعرض سكينة مواطنيها وسلامتهم، إلى خطر ما، أو ما يتهدد أمن الدولة، ومؤسساتها، إلى إطلاع مواطنيها عن ذلك، للإبلاغ والتوعية، وكذلك للتعبئة، وتستنكف غالبا عن كشف كل العناصر، حينما يكون البحث جاريا لاستكمال تقصّي، أو لعنصر لم يتضح بعد، أو لاعتبارات أمنية، تدفع للسرية. وفي جميع الحالات، ينبغي أن نعي أن الإرهاب ما يزال قائما، ولو هو تحوّل. تحوّلت بؤرته، من العراق وسوريا، حيث كان مركز “الدولة الإسلامية“، وتغيرت طبيعته، من “الجهاد العالمي“، إلى “الجهاد المحلي“، وتطورت وسائله، وعناصر تعبئته، والدليل الأعمال الإرهابية التي ما تزال تضرب في أوربا، ألمانيا وفرنسا مؤخرا. غلب الشعور أن الإرهاب ولّى، لأن زخمه ضعف، لأسبب عدة، لا سبيل للوقوف عندها، ولكن الحقيقة أنه لم يندثر، ويمكن أن ينهض، ولو اختلفت أشكاله، والمحتضنون له والدافعون إليه. ليس هناك بلد، على المطلق، محصن من الإرهاب، وبلدنا ليس استثناء، ولكنه عرضة أكثر من غيره، لأعمال التخريب، لوأد الدينامية التي يعرفها، واقتصاده المنفتح، ومجتمعه الحي، والتشويش على الاستحقاقات الرياضية التي يتهيأ لها، والإنجازات الدبلوماسية التي حققها على مستوى وحدته الترابية .وقد يسعي مدبرو العنف إلى استغلال الاحتقان الاجتماعي، والتغيرات الجيو–سياسية في العالم، والتوتر في منطقة الشرق الأوسط، والضرب على الأوتار الحساسة. هذا الوعي يستلزم أمرين: الأمر الأول، هو يقظة السلطات الأمينة، ولسنا أمنيين لنخوض فيما ينبغي القيام به، والكيفية التي ينبغي أن تضطلع بها، ولكننا نعتبر أن اليقظة واجب، ونُحيّي كل من يضطلع بهذا الواجب. والأمر الثاني، وهو ما يهنا، هو الوعي على مستوى الجسم السياسي، والمجتمع المدني، والمواطنين عموما، على أن الإرهاب خطر محدق، وأنه ليس وباء ولّى، أو جائحة انقضت، وأن بلدنا يمكن أن يكون مستهدفا، أو كما يقول ألكسندر جولستين، مما وقفت عليه مؤخرا في قراءاتي، من أن الشخص الذي ليس مهيئا على العنف داخليا، هو أضعف ممن يزاول العنف عليه. عدم تهيؤنا للأسوأ يجعلنا في موقف ضعف، وتهيؤنا للأسوأ يجعل من يريد بنا سوءا في موقف ضعف. وهذا التهيؤ ينبغي أن يقوم ليس بعد اجتراح المحظور لأنه لا يفيد، بل قبل أن يقع، كيلا يقع .لا تهاون في الأمن، وبقدر ما هو مسؤولية الأمنيين، هو كذلك مسؤولية القوى الحية، ولكن بقدر ما ندعو للوعي والتعبئة، ندعو كذلك، إلى التصدي للمداخل التي قد تُستغل ومنها الوضع الاجتماعي، وبعث شيء من السياسة، وخروج السياسيين إلى الواجهة، في البرلمان والإعلام، وإثارة الحوار والنقاش، على مستوى المجتمع المدني… هذه السماجة في الحياة العامة، هي التي قد تغري محتضني العنف والدافعين له. ولا مجال للتغاضي عمن يشكك في الخطر. سلامة المواطنين، وأمن الدولة، ليست لعبة بوكير، أو تُواجَه باستخفاف، أو أنها حرية تعبير.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير