لا مراء من أن حقوق الإنسان لم تعد من محددات السياسة الخارجية للغرب، فلقد ولىّ الزمن الذي جعلت الولايات المتحدة الدمقرطة وحقوق الإنسان، واحدا من محددتاها. ما يهم الدول الغربية، شأنها شأن باقي الدول، مصالحها وليس ما قد تزعم من مبادئ. ولم يعد لخطاب حقوق الإنسان الذي كان لكثير من المؤسسات الدولية وهجه ولا تأثيره. فكيف يمكن الوثوق في كثير من هذه المؤسسات، مع خطاب انتقائي، أو موسمي.
ومن حق المغرب، شأنه شأن كل دول العالم، أن يرفض كل ما من شأنه المساس بسيادته، سواء فيما يخص خياراته وسياسته ومؤسساته، وشعبه. لا جدال في ذلك، وهو ما باب السماء فوقنا. ولكن، هناك “لكن“ تثوي وراء هذه المقدمة الطَلَلِيَّة، وهي أنه لا ينبغي أن يُترك حبل ملف حقوق الإنسان في بلادنا على الغارب. وبتعبير أدق، ينبغي تصفية تركة الماضي، والالتئام مع الجيل الجديد لحقوق الإنسان. لأن حقوق الإنسان تتطور، فهي لا تقتصر على سلامة الجسد، ولا حرية الرأي، أو المعتقد، إذ ينضاف إلى ذلك حماية حميمية الأشخاص بعد التحول الكبير الذي أحدثته الثورة الرقمية. ولا بد أن نصفي تركة الماضي، كذلك، حتى لا يتخذها أحد، أيا كان، ذريعة، ويتجرأ بأسلوب فج، تنعدم فيه كل أدبيات اللباقة في الحديث عن دولة المغرب.
ينبغي تصفية تركة الماضي، لأن المغرب لم يستنكف من طرح قضايا حقوق الإنسان لعقود، من خلال ضوابط قانونية حول الحراسة النظرية ثم بعدها في إجراءات ملموسة، وضمّنها في ديباجة دستور ،1996 كما هو متعارف عليه دوليا، وعرف ملف تسوية القضايا العالقة زخما منذ ،1999 في إجراءات جريئة، منها تعويض المتضررين، وذوي الحقوق. وكان إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة عملا غير مسبوق، يوشك أن يكون ثوريا، ولم يقع فيها ما قد يشين، من الثأر أو التشهير، مع رد الاعتبار للضحايا.
تتطور المجتمعات، بل العالم، وبخاصة فيما نشهده، حيث يواجه العالم قضايا وجودية، أي أن يكون أو لا يكون، مع الحرب الدائرة ما بين روسيا وأوكرانيا والتي تتخذ بعدا دوليا، وخطر السلاح النووي، والجائحات والتقلبات المناخية، وأزمة الطاقة، ناهيك عن المشاكل الاجتماعية الناجمة عن الانكماش الاقتصادي والبطالة والتضخم… ويتأثر المغرب، كما غيره بهذه التغيرات .فكيف نواجهها وقلوبنا شتَّى. يضاف إلى ذلك كله، فيما يخصنا، التحرشات المستمرة بشتى الأشكال فيما يخص الوحدة الترابية لبلادنا، ليس أقلها التلويح بالحرب. ونستطيع أن نواجه المشاكل والتحديات إن اجتمعت رؤانا على كلمة سواء، وطوينا ما يعرقل ائتلافنا، ومنه طي مخلفات ملف حقوق الإنسان.
نعم، حقوق الإنسان ليست حكرا على فئة. حقوق الإنسان تشمل الحق في العيش الكريم، في كل أرجاء المغرب لفائدة كل الشرائح .ومثلما يُردد، فالصحافي ليس فوق القانون، ولكنه لا يسوغ أن يكون دونه. فالصحافيون هم الشريحة التي أنهت بالتمام والكمال المدد الحبسية .أي أنها لم تستفد من عفو أو تخفيض للعقوبات التي أدينت بها.
لا نجعل قضاءنا موضع رهان أو تشكيك، ولا قضاتنا موضع تبخيس، ولا نريد مجرد تعاطي قانوني لهذه الملف الشائك. نريد تعاطيا سياسيا، مثلما فعل المغرب سابقا، واستطاع أن يتصدى للجليل من المهمات.
لا نريد من أي أحد أن يملي علينا الدروس، ولا ينبغي أن نعطيه الذريعة ليخوض في شؤوننا.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير
تعتبر المبادئ إحدى محددات القانون الدولي، لكن أن تصبح تلك المبادئ في يد يعبث بها بعض النواب الذين يدافعون عن مصالح بلدانهم سواء على المستوى الإقليمي أو القاري أو الدولي. هنا تصبح السياسة لعبة قذرة لضرب مصالح دول تسعى للتحرر من طوق الدول الإستعمارية السابقة سياسيا وتحاول حاليا الإبقاء عليه اقتصاديا وماليا لضمان عيش مواطنيها في بحبوحة وريادة وتميز عن باقي شعوب العالم غير المتحضر ودفعه للبقاء في تبعية دائمة وتحت رحمة إملاءات مفروضة عليه.
فحقوق الإنسان الذي تتضرع به تلك الدول في مواجهة بلدان أخذت تشق طريقها نحو التحرر والإنعتاق، له مفهوم مغاير تماما لحقوق الإنسان المتعارف عليه والذي كان شعارا عالميا ورمزا لحماية أبسط الحقوق، إلا أنه اليوم أصبحت الدول النامية تمنح لنفسها دورا جديدا في لعبة مكشوفة مغلفة بمصالحها الوطنية تستخدمها كلما أصبحت هذه الأخيرة مهددة بالزوال.
لذا، فإن تدخل تلك الأمم في قضايا ومصالح وطنية خاصة بدول مستقلة يقلل من حرمتها وهيبتها وينقص حتى من سيادتها ويعرض مصالحها للمزيد من التطاول.
إن التعامل بالمثل هو الرد السليم والضامن الوحيد الذي ينبغي القيام به في مواجهة هذا التطاول المتعمد.