لرابية مقولة مأثورة وهي أن الضحك من صميم الطبيعة الإنسانية، ويمكن أن نضيف: هو تعبير عن إنسانيتنا. يحتاج الأفراد كما المجتمعات للتسلية والفكاهة، لأن ذلك يعبر عن حاجة ملحة لدى الإنسان، وتعبر التسلية والفكاهة عن عبقرية شعب وخصوصية مجتمع، ويمكن للتسلية أن تكون مسبارا أو مقياسا نقيس به حالة مجتمع. هل هو حر؟ هل هو سعيد؟ هل هو مبدع؟ أم هو نقيض كل ذلك؟
لم يشذ المغاربة عبْر تاريخهم عما تقتضيه الطبيعة البشرية، وعبروا عن حاجتهم للمرح والفكاهة، وأبدعوا وأجادوا في ذلك للالتفاف على كل الحواجز الدينية والسياسية وللتخفيف من وقر الأوضاع الاجتماعية. وعبروا من خلال الضحك عن أحوالهم، وتطلعاتهم. يحبل شعر الملحون مثلا بصور شتى، معبرة، ظاهرها هزل وباطنها جد.
ونحتاج أن نقف عند ضروب التسلية والفكاهة، من قصص وأغاني، ونكتة، وحلقة، وأمثال، وهو ما نقف عنده في هذا الملف، ونحتاج أن ندرس بروية ما يثوي وراء أشكال التعبير عن التسلية، ونحتاج أن نرصد غير المنطوق فيها. هناك مثلما يقول أصحاب علم الاجتماع السياسي وظيفة ظاهرة وأخرى باطنة، وحري بنا ألا نقف عند الظاهر ونستكنه الباطن.
التسلية صمام أمان تلجأ إليه المجتمعات لتخفف مما تنوء تحته من أوضاع، والشعوب المرحة قلما تعبث بها الأنواء والأهواء، وتكون في الغالب محصنة ضد العنف. التسلية والفكاهة حاجة ملحة، وترياق ضد العنف والتحجر.
هل المغاربة اليوم، أقل فكاهة ممن سبقوهم؟ هل تعبر جديتهم المغالى فيها، أو لامبالتهم، عن أزمة وجودية؟
لا يمكن أن نفسر ضعف الفكاهة بأسباب اقتصادية، لأن أوضاع المغاربة كانت أقل رفاه مما هي عليه… ولا يمكن أن نفسر ذلك بأسباب سياسية، لأن الأوضاع السياسية في المغرب كانت دوما «بارد وسخون»، تتأرجح بين هامش من الحرية، وخطوط حمراء.
هل غاضت قريحة المغاربة وصاروا أقل إبداعا؟ وسائل التعبير أوسع مما كانت عليه اليوم. هل الثورة الرقمية في طور أن تجهز على الفكاهة كما عهدناها، وأن أشكالا جديدة في طور الظهور؟
نترك للسوسيولوجيين أن يجيبوا عن هذه الأسئلة، أو أن يفندوا ما نستشعره حدسا، وقد لا يكون صائبا. وفي جميع الحالات نحتاج إلى أن نشيع المرح لدي شعبنا.
هل نقبل أن يتراجع أب الفنون، المسرح؟ أين نحن مما قام به الرواد من الطيب الصديقي وعبد الصمد الكنفاوي والشرايبي وعبد الجبار الوزير ومحمد بلقاس وعبد الرؤوف وآخرين؟ وأين نحن من النكتة وضروبها وأغراضها؟ وهل نحن عاجزون أن نطور الحلقة، ونكتفي بإبقائها محنطة في شكل فلكلور. بالشكل الذي هي فيه، هي مهددة بالانقراض؟
النصوص الكبرى لوليام شكسيبر كانت مستقاة من موروث شعبي.. ولدينا رصيد لامادي غني، يمكن أن نمتح منه ونصوغه في قوالب عصرية، أهمها بلا مراء المسرح، والسينما.
تتحدث بعض من “العقول المفكرة“ عن السلم الروحي، والسلم اللغوي، ولا أدري يقينا ما تعنيه هذه المصطلحات المجلجلة. وإذا سلمنا به، فنحن نحتاج إلى السّلم الفكاهي… أو بتعبير لا حذلقة فيه، نحتاج للفكاهة والمرح. والفكاهة فن وعبقرية، مثلما أن التعبير عنها يشحذ العبقرية والإبداع.
يحتاج الجيل الحالي إلى أن يقف عند أساليب متعددة من أساليب الفكاهة. لا يمكن أن نقف ضد التطور، لأنه سنة الحياة، ولكن لا يمكن أن نبدع من دون التشبع بالقديم… وكما يقول المثل المغربي: «الجديد لُه جدة، والبالي ما تفرط فيه».
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير