صرّحت وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني المغربية، فاطمة الزهراء عمور، أن السياحة الثقافية تمثل 69% من الطاقة الاستيعابية الإجمالية للمغرب، ويعتمد عليها 84% من الوافدين إلى البلاد. وسجلت عمور، خلال مشاركتها في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين: “إن سياحة المدن العتيقة تكتسي أهمية كبيرة اليوم، لكونها تدخل ضمن السياحة الثقافية التي تلقى اهتمامًا كبيرًا.” وأكدت أن هذا النوع من السياحة حظي بأهمية كبيرة في خارطة طريق السياحة 2023-2026 ، حيث خُصصت له سلسلة كاملة ضمن السلاسل الموضوعاتية التسع، كما أنه معني بالسلاسل الأخرى، وهي: «الصناعة التقليدية والمهارات المحلية، والمهرجانات والمواسم، والمطبخ المغربي والمنتوجات المحلية». وبالفعل فإن السياحة الثقافية في المغرب تعتبر من أبرز مكونات القطاع السياحي، حيث يجمع هذا البلد بين التراث العريق والتنوع الثقافي، مما يجعله وجهة مميزة لمحبي التاريخ والفن والحضارة. المغرب هو مهد حضارات متعددة تراكمت عبر القرون، من الأمازيغية إلى الأندلسية، مرورًا بالعربية والإفريقية، ما يمنحه هوية ثقافية فريدة تثير فضول الزائرين.
تمثل المدن العتيقة للمغرب محطات رئيسة للسياحة الثقافية، فهي ليست مجرد شوارع ضيقة وأسواق تقليدية، بل هي متاحف حية تعكس أصالة المغرب. ففاس مثلًا، التي تُعد أقدم مدينة جامعية في العالم، تضم معالم بارزة مثل جامعة القرويين، إضافة إلى الأزقة التي تعج بالحرفيين. ومراكش، من جهتها، تجمع بين سحر التاريخ وبهجة الحياة اليومية، حيث تشكل ساحة جامع الفنا رمزًا لتفاعل الناس مع التراث الشعبي، بينما تأخذ قصور مثل الباهية وزوايا المدينة الزوار إلى عصور مضت.
إلى جانب المدن الكبرى، تشكل المناطق الصحراوية جزءًا من المشهد الثقافي المغربي. فورززات، التي تعرف بـ“هوليوود إفريقيا“، ليست فقط مركزًا لصناعة السينما العالمية، بل تحتضن أيضًا قصبات تاريخية مثل أيت بن حدو، المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي. هذه المناطق تقدم تجربة فريدة لاستكشاف العلاقة بين الإنسان والطبيعة في سياق ثقافي غني.
ولا تقتصر السياحة الثقافية في المغرب على المواقع الأثرية، بل تشمل المهرجانات التي تعكس تنوع التراث الفني. مهرجان الموسيقى الروحية في فاس، ومهرجان كناوة في الصويرة، ومهرجان الفيلم الدولي في مراكش، هي مناسبات تجمع بين الإبداع المحلي والانفتاح العالمي، ما يعزز من مكانة المغرب كمركز ثقافي عالمي.
من جانب آخر، تمثل الأسواق التقليدية بدورها عامل جذب كبير للسياحة الثقافية. من سوق باب بوجلود في فاس إلى سوق السمارين في مراكش، يجد الزائر فرصة للتعرف على الحرف اليدوية التي تعكس المهارة المغربية، مثل صناعة الزليج، والنحاسيات، والنسيج، والجلود. كل قطعة تُنتج هنا تحمل قصة تمتد جذورها إلى قرون من الإبداع.
ومع ذلك، تواجه السياحة الثقافية في المغرب تحديات تتطلب الاهتمام. الضغط السياحي الكبير على المدن العتيقة قد يؤدي إلى تدهور هذه المعالم إذا لم تتم إدارتها بعناية. كما أن بعض المواقع الثقافية الأقل شهرة، مثل الأطلال الرومانية في وليلي أو قصبات الجنوب، تحتاج إلى تسويق أفضل لتستفيد من تدفق الزوار.
رغم هذه التحديات، يبقى المغرب نموذجًا ناجحًا للسياحة الثقافية المستدامة. هذا النجاح لا يتجلى فقط في الإيرادات الاقتصادية، بل أيضًا في تعزيز الهوية الوطنية ونشر قيم التعايش والتسامح. يستفيد السكان المحليون بشكل مباشر من هذا القطاع، سواء عبر الإرشاد السياحي، أو الصناعات التقليدية، أو الخدمات المرتبطة بالسياحة.
إن زيارة المغرب ليست مجرد رحلة، بل هي تجربة تغمر الزائر في عمق التاريخ وتنوع الثقافات. من المدن العتيقة إلى القرى النائية، ومن المهرجانات الصاخبة إلى الأسواق الهادئة، يقدم المغرب مزيجًا فريدًا من الأصالة .السياحة الثقافية في المغرب ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل هي وسيلة للحفاظ على التراث وتعزيز الحوار بين الثقافات، مما يجعل البلد واحدًا من أبرز الوجهات السياحية في العالم.
لكن الثقافة لا تقتصر على ما تركه لنا أجدادنا من تراث مادي ولامادي، بل تمتد إلى الإبداعات المعاصرة. فللمغرب كتاب، ومفكرون، وموسيقيون، ومسرحيون، وسينمائيون، ومؤرخون، وفنانون تشكيليون، ومعماريون، وعدد كبير من التعابير الفنية المعاصرة التي وجدت لها مكانا في اللقاءات الدولية والمعارض الثقافية. فهل التفتت الدولة في بناء استراتيجيتها السياحية إلى ثقافة المستقبل والتي سوف تكون الرصيد الأساس للسياحة الثقافية؟
هناك مشاركات مغربية في الصالونات العالمية للسياحة فهل فكرت الوزارة ومعها المكتب الوطني الذي يهتم بالقطاع بدعوة كتاب ومؤرخين وفنانين للحضور وتقديم الوجه الآخر للمغرب مغرب الحداثة والمعاصرة؟ فهل وزعت أعدادا من مجلات فكرية وثقافية داخل أروقتها؟ أو أنها تكتفي ببيع ما تركه الأجداد؟
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير