نالت السيدة الحرة من التعليم، ما لم تنله قريناتها، كما ساهم تحدرها من سلاسة شريفة في أن تفرض نفسها وسط الرجال.
إنه لمن بين نوادر الصدف المثيرة التي قد يحفل بها التاريخ أحيانا، أن نجد تلك الصدفة التي ميزت اسم السيدة الوحيدة التي تمكنت من الوصول إلى السلطة في المغرب الإسلامي، وكان اسمها “الست الحرة” وهو الاسم الذي يمكن أن نترجمه اليوم بـ”السيدة الحرة”. شخصيا، غلب علي الظن مدة طويلة بأن الأمر يتعلق ربما بلقب حظيت به تلك السيدة بفضل سلطتها السيادية التي مارستها بتطوان خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، غير أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، بل إنه اسمها الحقيقي، أو بلغة أخرى إنه الاسم الذي اختاره لها والداها عند ولادتها حوالي 1492.
شريفة من سلالة بنمشيش
يبرز عقد الزواج الأصلي، الذي يوثق زواجها الثاني والذي يعود تاريخه إلى سنة 984 من التاريخ الهجري، بجلاء بأن الزوجة كانت تحمل فعلا الاسم الذي عرفت به فيما بعد «المسماة الحرة أجمل لله صونها». كذلك، يفيد هذا العقد، الذي تمت إعادة صياغته حرفيا من طرف المؤرخ ابن عزوز حكيم في مقالة خصصها للسيدة الكبيرة، بأن “الست الحرة” هي “شريفة علمية”، وبأنها تنحدر مباشرة من جهة الأب، من سلالة الشريف الصوفي مولاي عبد السلام بنمشيش. أما والدتها التي كانت قد حملت اسما إسلاميا وهو اسم الزهراء، مباشرة بعد اعتناقها الإسلام، فهي سيدة إسبانية ولدت من أبوين إسبانيين، ولم تغير دينها إلا عند زواجها من أمير شفشاون علي ابن راشد علمي، وهو قائد عسكري وسياسي عرف بقوته، وينحدر من أصول أندلسية حديثة جدا، حيث لم يكن يتردد في عبور المضيق من أجل المشاركة في المعارك ضد قشتالة، وفي إحدى تنقلاته تعرف على زوجته الزهراء. وكان علي ابن راشد قد خاض ثورة أيضا ضد سلطة فاس حوالي عام 1492. وازدادت الحرة في الوقت الذي كانت فيه المعارك قد صارت شرسة بين آخر مملكة عربية بإسبانيا وبين زعماء سقوط الأندلس الكاثوليكية. هذا السياق التاريخي الذي خرجت فيه الحرة إلى حيز الوجود، يسمح بالقول إن “السلطانة المستقبلية” كانت مسكونة منذ نعومة أظافرها بأصوات الرماح المتصارعة على ضفتي المضيق.
المعطي منجب
تتمة الملف تجدونها في العدد 39 من مجلتكم «زمان»