اعتمد الموحدون على نظام مالي تعددت مداخيله ومكوناته، كما أقاموا دواوين مالية خاصة بكل إقليم، لكنها ظلت تابعة لديوان العاصمة مراكش.
تفيد الصورة النمطية السائدة أن المغرب لم يعرف تنظيما ماليا إلا مع مجيء المستعمر الفرنسي، وبكل تأكيد لا يمكن المقارنة بين التنظيمات المالية الحديثة التي جاء بها هؤلاء وما كان سائدا في مغرب العصور الوسطى. في المقابل، لا يفيد هذا الأمر أن مالية الدول المغربية المركزية خلال العصر الوسيط، ومنها الدولة الموحدية، كانت تسير بشكل عشوائي. فقد اعتمدت هذه الدولة على «إدارة» مالية بما ضمته من مؤسسات وموظفين ومحاسبة مالية.
تعددت مداخيل المخزن الموحدي وتنوعت، وشهدت تطورات سايرت المراحل التي مرت منها الدولة الموحدية. وليس الغرض التفصيل في هذه المداخيل، بقدر ما يهم الكشف ما إن كانت مالية الموحدين قامت على تنظيمات مضبوطة ومستقلة عن قرارات البلاط وواضحة المعالم، أم كانت تسير بشكل عشوائي، يتدخل فيها الخليفة الموحدي كيفما يشاء، وأنَّا يشاء. مبدئيا، كان الهدف من إقامة الدول المذكورة، مع استثناء المرينيين، القيام بمشروع إصلاحي، ويأتي في مقدمة هذا المشروع الإصلاح المالي بما يتماشى مع مقتضيات الكتاب والسنة. لكن سرعان ما يتبين للدولة طوبوية هذا التوجه، فتشرع في فرض ضرائب غير شرعية، التي تصبح أهم مداخيل بيت مالها، للقيام بأعباء مصاريف الدولة الضخمة منها خاصة المرتبطة بالحملات العسكرية والتشييد ومصاريف الحفاظ على ولاء الأتباع واستقطاب المعارضين.
فقد زاوجت السياسة المالية الموحدية بين وسائل سلمية وأخرى إكراهية لتحصيل المداخيل وتنميتها .فمن بين الوسائل السلمية هناك الرسائل الرسمية الموحدية التي اضطلعت بأدوار مختلفة على الصعيد المالي، كانت تذكر القائمين على مالية الدولة بالتوجه العام للسياسة المالية الموحدية، وتبرز في الآن نفسه المداخيل والنفقات. وعندما كان الموحدون يعجزون عن تحقيق سياستهم المالية بالطرق السلمية، فإنهم كانوا يلجأون إلى أسلوب العنف باستخدام الجيش لتحقيق مرادهم.
محمد ياسر الهلالي
تتمة الملف تجدونها في العدد 34-35 من مجلتكم «زمان»