ظل مشكل قضية الصحراء، طيلة أربعين سنة، يراوح مكانه بين المد والجزر على الحدود المعلقة بين المغرب والجزائر. وبقدر ما يغرق هذا النزاع المفتعل في وديان من الرمال المتحركة، بقدر ما يزيد تعفنا في أروقة الأمم المتحدة. إذ لم نعد نعلم مصير تلك الجولات اللامتناهية من المفاوضات التي احتضنتها مانهاست في ضواحي نيويورك. وأيضا، لم نعد نعرف أين نحن فيما يتعلق بجولات الممثل الشخصي للأمين العام المتحدة في الصحراء. لقد كانت جولات في الفراغ فقط.
وفيما اتسم الأداء الدبلوماسي المغربي بغياب الفعالية، ليستمر الحال على ما هو عليه، لم يعدم المغرب مسارات أخرى، ترافع عن مغربية الصحراء. تبدأ هذه المسارات من التحركات الملكية، وتنتهي بالفعل البرلماني والأداء الحزبي الذين يشكلان، في هذا الاتجاه، رافعتين أساسيتين لتقديم مشروع ومشروعية الوحدة الترابية للمملكة بشكل علمي ومقنع.
في هذا الإطار، نسجل قيام محمد الشيخ بيد لله، رئيس مجلس المستشارين، بتحرك في اتجاه القارة السمراء، قاده إلى كل من النيجر وكينيا بين 5 و11 مارس 2015، حيث جرى استقباله من طرف رئيسي الدولتين. من الوارد أنه كانت على جدول أعماله قضايا متعددة منها التعاون الاقتصادي، والتحديات الأمنية التي تواجه مجموعة من البلدان الإفريقية، لكن نعتقد أنه حمل معه، داخل الحقيبة، ملف قضية الصحراء المغربية، وحقائقها الواقعية وتطوراتها الأخيرة وآفاقها. بل يمكن القول إن ملف الصحراء حضر، أولا، على سلم أولوياته.
في نفس السياق، اشتغلت الدبلوماسية البرلمانية بإيجابية في جعل التقرير السنوي للبرلمان الأوربي عن الصحراء، الصادر في 12 مارس 2015، يعرض عن الحديث الصحراء كـ”منطقة متنازع عليها”، أو عن تقرير المصير، أو عن توسيع صلاحيات المينورسو، لتشمل قضايا حقوق الإنسان، مما أجهض مسعى جزائريا يروم تكييف التوصيات بما يخدم أطروحة البوليساريو التي تعتبر الجزائر عرابها.
وكالعادة، أمام مثل هذه الحالات، سعى الدبلوماسيون الجزائريون، جاهدين، إلى أن يتبنى البرلمان الأوربي تعديلات تخدم الأطروحات التي قدمتها الجزائر بتنسيق مع البوليساريو. غير أن النتيجة صبت في صالح المغرب، إذ صوت حوالي مائة عضو على التعديلات الجزائرية، في الوقت الذي عارضها 390 عضوا.
من جهتها، نشطت أيضا الدبلوماسية الحزبية، وبشكل متفاوت بين التشكيلات السياسية المغربية، ويُحسب في هذا الصدد لحزب “الأصالة والمعاصرة” قيامه بتواصل منتج وفعال مع “المؤتمر الوطني الإفريقي”، الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، بما يخدم قضية الصحراء المغربية.
هذه الديناميات الجديدة والمنتجة أثمرت، مؤخرا، احتضان مدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية للمملكة لأشغال منتدى كرانس مونتانا ذي البعد الدولي والدلالة الرمزية. فكانت بذلك عاصمة جهة وادي الذهب لكويرة، في قلب الحدث الدولي، باحتضانها لأشغال منتدى طرح قضية إفريقيا والتعاون جنوب- جنوب، بما أشر على إقرار بدور وازن للمغرب على الساحة الإفريقية، وبواقع جغرافي موسوم بحقيقة تاريخية، مفادها أن المغرب بلد مستضيف لأشغال هذا المنتدى على حيز من ترابه يسمى الداخلة، في لقاء حجت إليه العشرات من الشخصيات الوازنة دوليا في مجالات السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، إلى جانب الخبراء والباحثين، وفدوا من أكثر من بلد، مما أهل مدينة الداخلة المغربية، التي كانت مجرد ثكنة إسبانية وأصبحت منذ استرجاعها تنمو وتتطور بمينائها على المحيط الأطلسي وبإمكانياتها السياحية الكبيرة، لأن تحجز لها مكانا على خريطة العلاقات الدولية.
نافش المشاركون، في أشغال هذا المنتدى، القضايا المقلقة بالمنطقة، وجرى القيام برصد وتقييم للمعطيات الاجتماعية والاقتصادية، واستحضار الهواجس الأمنية والكوارث البشرية.
مرة أخرى، سخرت الجارة الجزائر كل طاقتها للحيلولة دون انعقاد هذا المنتدى العالمي، إذ اعتبر مسؤولوها أن انعقاده في الجنوب المغربي اعتداء وإهانة. ولعل ما زاد من إزعاج “الإخوة” في الشرق أن هذه التظاهرة نُظمت بتعاون مع “الإيسيسكو” و”اليونسكو”، بما يحملانه من إحالة على منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة.
هكذا، أثبت حكام قصر “المرادية” أن مشكل الصحراء، هو في الجوهر، مشكل جزائري-مغربي.
هذا الجهد الدبلوماسي الموازي، يعتبر مواكبا لمبادرات ملكية في اتجاه إفريقيا. فالملك محمد السادس كان قد قام سنة 2014 بجولة إفريقية، شملت مالي والكوت ديفوار وغينيا والغابون، بحضور وازن وزخم افتقدهما المغرب منذ انسحابه سنة 1984 من منظمة الوحدة الأفريقية، إثر تسلل البوليساريو إليها، مدعومة بأموال البترو-دولار الجزائرية.
يمكن القول، الآن، إن المغرب سجل نقطا في قضيته الوطنية، في الوقت الذي يريد خصومه تدويلها.
يبدو أن أخطاء تدبير ملف الصحراء وانعكاساتها على المطبخ السياسي الداخلي أصبحت متجاوزة. ويمكن اعتبار قرار الدولة بالاعتراف القانوني بعشرات من الجمعيات في الصحراء، لا تخفي طرحها الانفصالي، ابتعادا عن المقاربة الأمنية المحضة. ربما كان، وراء هذا القرار، غير المسبوق، التوصية الأمريكية التي ربطت دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي الموسع باحترام هذا الحق (حق تأسيس الجمعيات).
قد يكون المغرب، الآن، على أبواب العودة للاتحاد الإفريقي إن راجع هذا الأخير أوراقه حول قضية الصحراء.
على كل، تظل جبهة سلامة أراضينا، دائما، مفتوحة.
يوسف شميرو
مدير النشر والتحرير