ما هو وضع المرأة المغربية اليوم؟ وهل تحتاج مدونة الأسرة إلى تعديل مستعجل؟ هذه الإشكاليات والربط بينها، هي إحدى محاور الذكرى الثالثة والعشرين لتربع الملك على عرش أسلافه.
في ظل الإكراهات الاقتصادية التي يعيشها المغرب، سواء من الداخل أو الخارج، أبى الملك محمد السادس إلا أن يفتتح خطابه الثالث والعشرين لاعتلائه العرش، بالحديث عن ارتباط التنمية الاقتصادية وازدهار البلاد بوضعية المرأة .فقال إن رفع التحديات الداخلية والخارجية يكون بـ«النهوض بوضعية المرأة والأسرة» .الملك لم يكتف بهذا الربط، بل دعا إلى تغيير القوانين المتعلقة بالأسرة، وأعاد التأكيد على ما قاله في خطاب 10 أكتوبر .2003
أعاد هذا الخطاب فتح النقاش مرة أخرى بين قطبين متعارضين سبق لهما “الاصطدام“ في كواليس خطة إدماج المرأة في التنمية سنة ،2001 هما القطب “الحداثي“ الداعي إلى «تحرير المرأة من القوانين التقليدية»، والقطب المحافظ المتشبث بالتشريع بما ورد في النص الديني .لكن بغض النظر عن الجانب القانوني، فمسألة القوانين هي مسألة تقنية، فإن العائق والإكراه الحقيقي هو عقلية المجتمع، أو بحسب ما نعته الملك بـ«الأسباب السوسيولوجية المتعددة» .وربما تختزل هذه العبارة الشيء الكثير لدى علماء الاجتماع، الذين ما فتئوا يحاولون فهم المجتمع المغربي، بما فيه وضعية المرأة والأسرة.
نبه الملك، كذلك، إلى أن مدونة الأسرة «أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها» .لكن ما الذي يحرك مثل هاته “التخوفات“: أي التخوف من تغيير المدونة دون تغيير العقليات تجاه المرأة؟ التخوفات تنبع في الغالب من التقارير والأرقام؛ فالتقارير الرسمية التي تخرج بين الفينة والأخرى من طرف مؤسسات رسمية كالمجلس الاجتماعي والاقتصادي، والمندوبية السامية للتخطيط، ووزارة العدل …تنبه إلى وجود إشكالية بين واقع المرأة وبين ما يدعيه المجتمع ككل.
لننظر، على سبيل المثال، إلى أحد التقارير الرئيسة، علنا نستشف منه وضع المرأة بالأرقام، وهو التقرير السنوي لبنك المغرب الذي قدمه عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، للملك في يوم الخطاب نفسه. يقول التقرير إن نسبة نشاط المرأة انخفض منذ سنة 2004 [سنة تعديل مدونة الأسرة]؛ حيث كان نشاطها يبلغ حينئذ أزيد من ،27% لينخفض في سنة 2021 إلى حوالي 20.5%؛ بحيث نجد أربع نساء من أصل خمس في سن العمل غير نشيطات .ومن المفارقة، التي يستغرب منها التقرير، أن الوضع في تزايد مستمر رغم التحسن النسبي في المستوى التعليمي للمرأة. ويرجح التقرير السبب إلى «المسؤوليات الأسرية المرتبطة بتربية الأطفال والأعمال المنزلية» .وحتى عندما تحصل المرأة على عمل، «فإنه يتسم بالهشاشة وبضعف الجودة».
هنا يمكن لنا أن نتساءل: ما الذي يربط بين مدونة الأسرة وبين الخروج من الأزمات الاقتصادية؟ تجيبنا إحدى فقرات التقرير نفسه أن معضلة إدماج المرأة في النشاط الاقتصادي، تشكل أحد أهم التحديات المطروحة فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية، ويكلف هذا الإقصاء ميزانية كبيرة. كما يؤكد أن «تقليص الفارق في معدل النشاط بين الرجال والنساء ..يؤدي إلى مضاعفة وتيرة النمو». لهذا الغرض، جاء الخطاب ليؤكد أن «تقدم المغرب يبقى رهينا بمكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة، في مختلف مجالات التنمية».
ولم يفت الملك كذلك ربط النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بضرورة التواصل والتفاهم بين الشعبين المغربي والجزائري، فقال إننا نريد حدودا «تكون جسورا، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى».