أعترف أن نتائج الإحصاء الأخير بلبلتني. لم تكن بالنسبة لي مجرد عدد لما بلغته ساكنة المغرب من نسمة .لأول مرة في التاريخ الحديث يُسجلُّ عدد السكان “نموا“ سلبيا، أي أن الخصوبة نزلت عن اثنين في المائة، ونسبة تجدد مجتمع، هي كما هو معلوم 2,1 في المائة. قد نرى في ذلك مؤشرا إيجابيا لأن من شأنه أن يخفف الضغط على الدولة فيما يخص بعض المرافق، من مؤسسات تعليمية وإدارية وسكن، ويسهم في الارتقاء به، ويستطيع النمو الاقتصادي أن يوازي نمو السكان، فيرتفع الدخل الفردي، وبالتبعية القدرة الشرائية للمواطنين… على الأقل نظريا، إذ يفترض ذلك توزيعا عادلا للثروة. يمكن أن نستشعر نوعا من الارتخاء، ولكن إلى حين، ذلك أن مجتمعنا يشيخ، أو أخذ في الشيخوخة. سوف تتغير بنية السكان وتكُفُّ أن تكون هرمية. ستقل الشريحة الشابة، وسيضطر المغرب إلى استجلاب اليد العاملة، وطبعا، بالنظر إلى العزوف عن الزواج، لن يكون هناك خيار لدى الفتيات سوى الزواج من أجانب، وبمقتضى القانون الذي يتيح للأم أن تمنح أبناءها من زواج من غير مغربي جنسيتها، سيكون لنا شريحة نص نص. لا جدال أن تمتيع الأبناء من زواج مختلط بجنسية أمهم قرار صائب.. لكن هذه الشريحة مرشحة للازدياد بالنظر لانخفاض الزواج، والتغييرات المناخية التي ستجعل بلدنا مستقبلا للهجرة بحجم أكبر. فهل نترك الحبل على الغارب، أم يتوجب علينا أن نفكر في الأمر؟…
لست طبعا من أصحاب “صفاء“ الأجناس ولا الثقافات، ولا جمود البنيات، لأن المجتمعات تتطور وتنفتح وتتلاقح، ولكن مجتمعا لا يتجدد ديمغرافيا مهدد بالذوبان.. يمكن نظريا أن يذوب الغريب في سبيكة المغرب، ولكن شريطة أن تضطلع وسائل التنشئة بذلك …وهل تستطيع مدرستنا اليوم أن تقوم بذلك… ناهيك عن بعض أدوات التنشئة الأخرى التي تعرف تحولا كما الأسرة، أو أزمة، كما الأحزاب السياسية. ينبغي أن نفتح نقاشا حول الموضوع، من غير أدلجة ولا أحكام مسبقة… وينبغي أن نقوم بتقييم موضوعي لآثار مدونة الأسرة على الأزواج… وبتعبير أدق، على الخصوبة …لا جدال أن الهاجس حينها كان هو الإقرار بحقوق المرأة، وكانت مهضومة، وصون كرامتها، وكانت مهدرة، ولكن هل من الكرامة منعها من الزواج، أو فرض قيود شتى تجعل الرجل يعزف عن الزواج… هل نجرؤ أن نقف عند نسبة العنوسة في المغرب؟ لم تبلغ ما بلغته في أرجاء أخرى، ولكنها وصلت سقفا مقلقا… ومن تداعيات الظاهرة، ما وقفنا عليه من انخفاض ديمغرافي، أو ما يسمى بالشتاء الديمغرافي، فضلا عن تداعيات أخرى مجتمعية ونفسية، لا حاجة للوقوف عندها…
من المؤكد أن مغرب اليوم ليس مغرب ستين سنة خلت، وكل جيل كما يقول دوتو كفيل هو أمة في حد ذاته، ولكن الأمم تحافظ على استمراريتها من خلال ثقافة مشتركة، وذاكرة حية وخيطا ثقافيا ناظما يبقى قائما، من عادات وذاكرة ولسان، ولقد استطعنا أن نتدارك الاختلال الناجم عن عدم الاعتراف بالأمازيغية، وتقلص دور الأسرة في نقل اللسان الأمازيغي، لكننا كنا مجتمعا شابا، لم يكن في حاجة إلى الهجرة، فهل نستطيع أن نُبقي على شخصيتنا، مع انخفاض نسبة الإنجاب، دون عتبة تجدد مجتمع؟
لست ضد الهجرة، ولكن في الحدود التي لا يمكن أن تؤثر في السبيكة الاجتماعية والثقافية للمغرب، ولا يمكن وقف التغيير لمجتمع ينزل عن العتبة الضرورية أن يحافظ على السبيكة، أو إن شئتم القدح المذيب، والبوتقة التي تصهر.
ليست الغاية التوالد من أجل التوالد. لكن ينبغي أن نقر أن عدم تجدد ساكنتنا، يجعل الهجرة إلى بلادنا هي البديل. فهل نحن مستعدون إلى استبدال كبير أو صغير؟ وهل نحن في غنى عن التفكير في الأمر؟
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير