ينبغي أن نسجل المواقف المشرفة التي عبرت عنها جماهير الشعب المغربي ضد العدوان الهمجي الذي استهدف المدنيين، والأطفال، والمستشفيات، ولم يراع حرمة أماكن العبادة.. نسجل كذلك موقف المسؤولين الذين لم يعترضوا عن حق الشعب المغربي في التعبير عن رؤاه.
ولكن مثلما يقال، هناك زمن لكل شيء. الحرب على بشاعتها وفظاعتها ليس دائمة، وينبغي التفكير في السلم.وللمغرب دور في تحقيق السلم واستتبابه، وينبغي أن يكون له دور. كما له رصيد تاريخي في ملف النزاع العربي الإسرائيلي، ويحظى بالاحترام في المنتظم الدولي. وفي عز الحرب والعدوان، وجّه سفير دولة فلسطين، السيد جمال الشوبكي نداء إلى الملك محمد السادس، للتدخل من أجل وقف العدوان، ولصالح الشعب الفلسطيني. في كل مكان من العالم، عادت القضية الفلسطينية. ومحور القضية الفلسطينية، هو الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره، وإطار ذلك هو احترام الشرعية الدولية، ليس أكثر ولكن ليس أقل. وينبغي الجهر بأن بعض إطارات الحل، والتي كانت ضمنيا تقفز على القضية الشعبية أصبحت بتعبير الراحل ياسر عرفات، متجاوزة ”Caduc”.حل القضية الفلسطينية ليس بمعنى إيجاد حل لها، وإنما تذويبها. وصْفة لحروب مائة سنة، لا تضمن الأمن ولا الاستقرار لأي أحد، بمن فيهم الإسرائيليون. واهم من يعتقد أنه يمكن القفز على حقوق الشعب الفلسطيني. الوضع الجديد يقتضي تعاملا جديدا.
الأولوية هي إيقاف العدوان، والعمل مع الفرقاء الدوليين لوضع حد للأعمال العسكرية التي لا توفر المدنيين، والعمل إثرها على تحريك مسلسل السلام وفق الشرعية الدولية، بما يضمن للشعب الفلسطيني تحقيق مصيره.
ليس المطلوب ركب الرأس، وامتطاء الصعب والذلول، كما يقول المثل، ولكن التفكير بروية، والتعامل بحكمة لما يخدم مصلحة الشعب الفلسطيني. المغرب محاور موثوق على المستوى العالمي، ولا يمكنه أن يهدر هذا الرصيد بمواقف حدية. هناك أولوية بعد أن تضع الحرب أوزارها، تتمثل في تضميد جراح الشعب الفلسطيني، من خلال عمل مشترك مع بعض الدول العربية، ودول أوربا وبخاصة فرنسا وإسبانيا لإعادة إعمار غزة.. ورفع الحصار عنها. الحصار الذي كان مضروبا عليها، من زهاء عقدين، برا وجوا وبحرا، جريمة. واجب النصرة للشعب الفلسطيني، هو العمل من أجل رفع الحصار، وفي الدعوة للمنتظم الدولي للمانحين لإعادة الإعمار، وفي إقرار حقوق الشعب في تقرير مصيره. للمغرب رصيد تاريخي، ومصداقية. وينبغي أن يضطلع بهذا الدور، انسجاما مع توجهه وتاريخه.
يستحسن أن نذكر ها هنا أنه عقب القمة العربية التي انتظمت في بيروت، في مارس 2002، والتي تبنت ”المبادرة العربية” وجهت الآلة العسكرية الإسرائيلية قذائفها ضد ”المقاطعة”، مقر القيادة الفلسطينية برام لله. وكان أن اتصل الملك محمد السادس بأرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، كي تكف الآلة الإسرائيلية قذائفها على المقاطعة، وتبقي على حياة ياسر عرفات. قامت القيامة حينها، قبل أن يتبين، فيما بعد، أن القيادة الفلسطينية هي التي طلبت من الملك محمد السادس التدخل، والاتصال بأرييل شارون. ينبغي أن نفكر في السلم، وما يقتضيه. في رَويَّة وأناة.. وحزم كذلك..
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير