بدأ التحضيرات لانتخابات 2015 التي تهم على الخصوص تسيير الجماعات الترابية، مع الدخول البرلماني مستهل الشهر الماضي. إنها محطة لا تقل أهمية عن محطة 2011 في مشروع الانتقال نحو الديمقراطية. بيد أنه، خلافا لما حصل قبل 3 سنوات، يبدو الصراع اليوم بعيدا عن أنظار المجتمع، وفي غياب عناصره الأكثر حيوية.
يتعلق الأمر بصراع بين مجالين لم يحسم بعد. مجال الشرعية الانتخابية التي تجعل تفويض السلطة نابعا من المجتمع، مقابل مجال الشرعية المخزنية، التي تمنح الموظف السامي في الولاية والعمالة تفويضا لممارسة السلطة، بل وللوصاية، على الذي ينتخبه المواطنون للمشاركة في ممارسة جزء من السلطة المحلية. كلما توسع المجال الأول كلما تقدم المجتمع نحو الديمقراطية، وكلما استمر الوضع الحالي كلما تعمق التأخر عن إدراك هذا الأفق. يتجسد الصراع السياسي، اليوم، حول هذا الرهان في نقاش القوانين الانتخابية وقوانين الجهة والجماعات الترابية داخل البرلمان.
لا شيء يضمن أن يؤول هذا الصراع لصالح التقدم، إذ يمكن أن يقع التوافق على المحافظة. سيكون الأمر، هذه المرة، مؤسفا أكثر وهجينا أكثر. إذ التناقض واضح بين توسيع مجال الشرعية الانتخابية، على المستوى الوطني، من خلال السلط الجديد للبرلمان والحكومة في دستور 2011، وتضييق هذا المجال على الصعيد المحلي.
تبدو حظوظ المحافظة، اليوم، أكبر مما كانت عليه سنة 2011، إذ فقد صف المدافعين عن توسيع مجال الشرعية الانتخابية عناصره الأكثر حيوية وإصرارا. يتعلق الأمر بالمنظمات والأفراد الذين أطلقوا ونشطوا حركة 20 فبراير، وعدد من الوافدين الجدد على السياسة بمناسبة ظهور هذه الحركة. ثمة ظروف موضوعية سببت هذا الغياب، لكنها ليست أكثر تأثيرا من العائق الإيديولوجي الرئيسي الذي قاد هؤلاء، وخاصة الشباب منهم، إلى السقوط ضحية للهدر السياسي. بشكل تلقائي، ذهب منتفضو 2011 على مذهب المنظمات الداعمة لهم، في رفض المشاركة المؤسساتية، والاستقرار بالشارع فضاء رئيسيا للنضال. رغم أن هذا الخيار كان حاسما في ما تلا من نتائج إلا أنه لم يحظ بما يستحق من نقاش. كان افتراض أن الجماهير ستلبي النداء بالكثافة اللازمة لقلب الموازين اعتقادا راسخا يعفي من تصور بدائل أخرى. فماذا كانت النتيجة؟
يغيب المقاطعون تماما عن الصراعات السياسية الجوهرية، مثل تلك التي بدأت اليوم في البرلمان حول التحضير لانتخابات 2015، بينما يملك المشاركون كافة الحظوظ للدفاع عن مصالحهم.
اسماعيل بلاوعلي