أبدع المغاربة القدامى في ممارسة ألعاب تناسب بيئتهم ومستواهم الاجتماعي. مثلا، مارس علية القوم لعبة الشطرنج، فيما كان للفقراء ألعاب اكتفوا فيها باستعمال أدوات بسيطة.
من بين أهم الألعاب التي توارثها علية القوم، سواء كانوا مميزين بمستواهم المادي أو الثقافي أو حتى لارتباط بعضهم بالسلطة القائمة، لعبة الشطرنج. ومن الإشارات التاريخية الواردة عن هذه اللعبة، خلال الحقبة المدروسة، جلسة شطرنجية جمعت بين أبي عمران الطرياني وأبي الحسن بن عياش، وقد كانا كاتبين في الدولة الموحدية، تم ذلك أواخر القرن 6هـ/ 12م .ويبدو أن الاهتمام بهذه اللعبة، خلال القرن السابع، جعل مالك بن المرحل السبتي (ت. بفاس سنة 699هـ/1299م)، شاعر الدولة المرينية، يفرد لها كتابا .وبعد قرابة نصف قرن من هذا التأليف، نعثر على إشارة أخرى، تعود إلى منتصف القرن 8هـ/14م، عن أحد السبتيين العارفين بالطب واللغة المدعو عبد المنعم الصنهاجي الحميري، وقد تعاطى للعبة الشطرنج منذ نعومة أظافره، بل كان يتفوق على الأقوياء فيها، بما يفيد أنها كانت منتشرة بين أفراد أسرته التي يبدو أنها حرصت على تعليمها إياه .وقد قارع الصنهاجي لاعبين في الشطرنج من مدينة فاس، علما أن هناك مباريات جمعت بين لاعبي شطرنج سبتيين ونظرائهم في مدن أخرى. وكان علينا أن ننتظر، حتى أواخر العصر الوسيط وبداية الحديث، لنظفر بإشارة أخرى عن هذه اللعبة، وتحديدا في مدينة فاس، فقد اعتبرها الحسن الوزان لعبة تخص الفاسيين “المهذبين“، الذين يعيشون في بيئة حسنة، وهم يتوارثونها خلفا عن سلف، مما يؤكد حرص أسر هذه المرتبة الاجتماعية على تلقين أبنائها لعبة الشطرنج لإدراكها ما لهذه اللعبة من دور في تنمية القدرات العقلية للطفل، وتلقينه حسن التدبير في المواقف الصعبة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 88 من مجلتكم «زمان»