بدأت حرب المضايق عندما قررت أمريكا أن تدفع أوكرانيا للتحرش بروسيا ودفعها إلى الهجوم المسلح عليها بذريعة الاستباقية .اشتعلت الحرب وعندها توقفت أو تباطأت وتيرة سلاسل التوزيع عبر ممري البوسفور والداردنيل .ولهذا كان المتضرر الأول هو روسيا وأوكرانيا .ولكن كان من الواضح أن أمريكا تتحرش بالصين وتلوح بخلق بؤرة حرب في ممر ماقا الهام بين جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية والذي يصل بين بحر أَنْدَمَانْ في المحيط الهندي من جهة الشمال الغربي، وبين بحر الصين من جهة الجنوب الشرقي. ولقد تابعنا في الأخبار كيف أن الصين استبقت هذا وعقدت اتفاقية عسكرية مع دولة جزر سالمون. لقد كانت بيكين قد أعلنت في 19 أبريل 2022 عن عقد اتفاق أمني بينها وبن جزر سالمون الشيء الذي أقلق دول الغرب .وبنظرة على الخريطة البحرية العالمية يتضح لنا أن الحل الوحيد للنفاذ إلى العالم إذا ما تم إغلاق ممر مالقا هو المرور من جنوب أستراليا شمال نيوزيلاندا. فكان لا بد من تأمين موقع تراقب منه الصين أستراليا الحليفة الوفية لأمريكا. هناك الآن بعض المناوشات التي لا ترقى إلى خطر الحرب بعد.
الممر الثالث هم مضيق هرمز والذي تكاد إيران تقتسم السيطرة عليه مع أمريكا باعتبارها حليفة دول الخليج النفطية، لكنه يمثل نقطة ساخنة قد يمكن أن يخرج فيه الوضع عن السيطرة في أية لحظة، سيما وأن أمريكا أوعزت إلى الهند ومعها بعض الدول الخليجية وإسرائيل إلى خلق ممر يزاوج بين البحر والبر ليمر عبر الهند، فالإمارات العربية فحيفا بإسرائيل وصولا إلى أوربا. وهذا الممر في نظر أمريكا يسعى إلى كسر شوكة طريق الحرير التي اقترحتها الصين وانخرطت فيه عدة دول، حتى الأوربية منها، لكنها انسحبت منه تحت الضغط الأمريكي.
وإذا كان القول سائرا على أن هجوم حماس على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر 2022 كان يهدف فيما يهدف إليه إلى تحطيم هذا الحلم وخلق ظروف من عدم الاستقرار الأمني لإنهاء هذا المشروع، فإن الأمور تطورت بشكل لافت بحيث يمكن أن يصبح موضوع غزة ثانويا. لقد كان الأمر يتعلق، وفق بعض الأخبار، أن تقوم إسرائيل بدفع الفلسطينيين إلى سيناء وحفر ممر مائي يربط مدينة إيلات (أو أم الرشراش بالعربية) بخليج العقبة بمدينة غزة. وهنا تكون إسرائيل والغرب عموما قد أنهيا مشكلة الفلسطينيين وعاقبا مصر على دخولها لمنظمة “بريكس“. لكن حماس، وبإيعاز من إيران أو الصين، ودائما وفق المحللين، يبدو أنها استبقت الأحداث وأنهت هذ المشروع أو على الأقل أجلته إلى حين.
وما يعطي مصداقية لهذا التحليل هو دخول الحوثيين باليمن غمار الحرب على غزة. فابتدأوا أولا بإرسال صواريخ على إيلات وهذا على ما يبدو جعل ساكنتها تهجرها خوفا، كما أعطى ضربة قوية للسياحة بها، ثم انتقلوا إلى مهاجمة السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر باب المندب. وهذ الممر من أهم الممرات في التاريخ ولقد كان العالم الغربي المتوسع في الفترة الاستعمارية حفر قناة السويس لتصل أوربا بآسيا. ويبدو أن هذه الحسابات لم تكن تدور بخلد الأمريكيين الذي هبوا لنجدة إسرائيل ولم يفكروا فيما يمكن أن تقدم عليه جماعات الحوثي اليمنية الموالية لإيران، دون أن ننسى عقد الشراكة من أجل التعاون التجاري والاستراتيجي الذي يربط الصين بإيران لفترة تمتد لخمسة وعشرين عاما والتي وقعت يوم 27 مارس 2021. وعلى الرغم من أن بنود هذه الاتفاقية لم يُفْصَحْ عنها بعد ولا نعرف إن كانت تتضمن اتفاقية الدفاع المشترك، فإن حجمها يجعلنا نخمن الوسائل والضمانات الأمنية لحمايتها. من المقرر أن تستثمر الصين 400 مليار دولار أمريكي في الاقتصاد الإيراني خلال الفترة الزمنية للاتفاقية مقابل أن تمد إيران الصين بإمدادات ثابتة من النفط وبأسعار منخفضة للغاية. لذا لا نستبعد أن يكون الإيرانيون من وراء إغلاق الحوثيين لممر باب المندب، ومن وراء المشهد ككل توجد الصين التي تبحث عن إنهاك الولايات المتحدة والغرب عموما.
هناك بالطبع الخطر المتزايد على قنال السويس، لكن الأخبار التي راجت في الأسبوع الأخير لشهر دجنبر والتي تقول إن مسؤولا في الحرس الثوري الإيراني صرح بغلق مضيق جبل طارق بالبحر الأبيض المتوسط وممرات مائية أخرى دون أن يوضح كيف يمكن أن يتم ذلك، تُعَقِّدُ المشهد. ويبدو أن مضيق جبل طارق أصبح في قلب النقاش من خلال ما يرشح بين الفينة والأخرى من أخبار قد تكون للاختبار كما قد تكون للإخبار. من ذلك ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، من أن روسيا استخدمت الموانئ المغربية، مع مساعدة كبيرة من البعثة التجارية الروسية في المغرب، في الالتفاف على الحظر التكنولوجي الذي فرضته عليها أمريكا والدول الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي ساهم في صمود الاقتصاد الروسي في وجه العقوبات. هل يمكن الوصول إلى هذا الحد؟
هل بسبب هذه الأخطار سارع المغرب إلى خلق منطقة جديدة بهوية جديدة اقترح تسميتها إفريقيا الأطلنطية؟ نعرف تاريخيا أنه كلما تغيرت الطرق التجارية كلما أعيد رسم خرائط البلدان، وعند إعادة الرسم هناك عدد من البلدان تنشأ وأخرى تختفي وتذهب إلى الزوال.
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير