استفحل خطاب الكراهية في الآونة الأخيرة في بلادنا، وبتعبير أدق، تُوظّف عناصر كانت تتستر عن مواقفها ضد الأمازيغية لتخرج اليوم، مستغلة ظرفية دولية، وسياقا مضطربا، لترشق الأمازيغية بسهامها وتتهم نخبها بالعمالة، ومنها من لا يستثني الناطقين بها، مثلما رشح لمسؤول رمى الأمازيغ بضيق العقل، ناهيك عمن يستغلون منصات التواصل لكيل الشتائم للأمازيغية والأمازيغ، زعما منهم أن الأوائل يُضمرون حسيفة للعربية والعرب والإسلام.
وأحسن رد على حمالي الحطب هؤلاء، مواطن مغربي، ناطق بالأمازيغية، ليس من الوجوه الإعلامية، ولا من ساكنة الحاضرة، ولا من أصحاب الألقاب الأكاديمية، يعيش في الجبل،رد بلساننا المشترك الدارجة، أن الأمازيغ لا يعادون أحدا. لا يعادون العرب أو سواهم، ولا يعادون المسلم، ولا غير المسلم، ولا يميزون بين المغاربة.
هو قول بليغ، وحكيم، ولكن هل يكفي؟ ألا يتعين على النيابة العامة أن تتحرك ضد كل من ينفث خطاب الكراهية. قبيل سنوات، زلّت شاعرة ناطقة بالأمازيغية القول، عفو الخاطر، ونهضت فعاليات تُضمر الكراهية للأمازيغية، واستنفرت النيابةَ العامة، وتحركت المسطرة، وتمت مقاضاة الشاعرة، وقضت فترةً في السجن كانت آثارها مُدمرة نفسيا عليها، ولما أن خرجت من السجن قدّمت اعتذارا للمغاربة، ممن يعتبرون أن زيغ لسانها قد يكون أساء لهم، والتزمت الصمت منذ ذلك الحين. فقد قال أحدهم أخيرا: «الشلح غير شلح، استغفر لله على كلمة، مخُّه صغير، مخُّه جيعان»، وشفع القول بالتأفف بحركة على أنفه، كما لو أن الحديث عن “الشلوح“ يُزكّم الخياشيم . وقد أحسنت فعاليات أمازيغية عدة بالتحذير من هذا الانزلاق، والعواقب التي من شأنها أن تنجم عنه.
ولو ذاتُ سِوارٍ لطمتني، لأن الذين يعادون الأمازيغية باسم الدفاع عن العروبة، لغتهم العربية ركيكة، وزادهم المعرفي هزيل.
المسألة ليست بدافع الانتقام، ولكن من أجل تحصين لحمتنا. فإما أننا مغاربة، لا فرق بين ساكنة بلادنا، بغض النظر عن لسان أي واحد منا، وعرقه ومعتقده، طالما احترم النظام العام، وائتمر بالقانون، وإما أن هناك مغاربة أسمى من بعض، ليس فقط من حيث أوضاعُهم الاجتماعية، ولكن من حيث ثقافتُهم، ويحق من ثمة لفئة تحسب أن الرياح تجري لصالحها، أن تُجري وصايتها على كافة الشعب المغربي، تعرف مصالحه، وتحدد خياراته الاستراتيجية، ويحق لها أن تُعرّف ما الوطنية، وما الانتماء، وهلم جرا.
الاختلاف وارد، ولكن يتم في إطار القوالب الحديث، إما على مستوى المؤسسات، أو الحوار العام.. ليس لفريق أن يحدد تصورا معينا للثقافة والوطنية، ويرمي الآخر بالعمالة والخيانة والعداء، أو يذهب به الأمر إلى الاحتقار والزراية.
لا شيء يؤكد كثيرا من الأحكام الجزافية التي ينفثها بعض مِن مرتزقي اليوتوب، مَن يوظفون التضليل والافتراء والأراجيف، ولا مجال للحديث معهم، أو مقارعتهم. هم في دائرة الأحكام المسبقة وما تهوى الأنفس، ولكن الرسالة موجهة للدول ومؤسساتها، لأن قوتنا في تلاحمنا، وضعفنا في تفرقنا، ولا يمكن للدولة أن تقبل ما من شأنه أن يفُتَّ منا، أو يُفرّق بيننا.
إن ما نعيشه ردة ثقافية، مردها هجمات من فلول متناثرة، لمرجعيات حاق بها البوار، وأخرى تسترزق بمعاداة الأمازيغية. بيد أنه لا يمكن أن نستهين من نُفاث السُّعار هذا، وما يحمه من حقد وتجني، وإنْ تلبّس بلبوس “علمي“ و“أكاديمي“ لتداعياته الوخيمة على لحمتنا.
وتبقى مسؤولية الدولة قائمة لوضع حد لهذا الانجراف من أجل مبدأ أسمى، هو ما ينبغي أن نحتكم إليه وهو المواطنة، وإلا فسيعود كل إلى حضنه، ولا ذنب حينها لمن أهين واستهين إنْ غلّب وجدانه ودافع عن حياضه.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير