جرب أجدادنا في الماضي طرقا كثيرة للتخلص من بنكيران، وقد حاول بعضهم أن يتخلص منه بالتدريج بريجيم معتدل وطبيعي وعلى مراحل، بينما حاول البعض الآخر التخلص منه سريعا بحمية قاسية وفعالة، وفي كل مرة كانوا يفشلون، فتحترق الدهون المحيطة بالكرش، لكنها سرعان ما تعود إلى حالتها الأولى.
ورغم أن وثائق وآثار تلك المرحلة من التاريخ قليلة ونادرة، والمتوفر منها غير متاح لنا البحث فيه، فقد عثرنا بوسائلنا الخاصة على كتابات غامضة تصف مكونات خلطة عجيبة صنعها المغاربة القدامى للتخلص من بنكيران، والتحذير من التهديد الذي يشكله، ومن خطر قادم له علاقة به، كانوا يسمونه “أخننة الدولة”، التي لم نتوصل لمعرفة معناها اللغوي، ويروي الإخباريون أنهم وضعوا له تلك الخلطة في طريقه، وذرذروها أمام عتبة بيته في حي الليمون، فتجاوزها دون أن يسقط، أو يقع له مكروه، مواصلا تقدمه، أمام دهشة كل السحرة والأطباء والمنجمين والعطارين، وأمام سعادة طيور الدوري الصغيرة والجائعة التي وجدت في تلك الخلطة وجبة لذيذة، واعتبرتها هدية من السماء.
وبعد ذلك صنعوا من قشرة خصومه سعوطا ونشوقا ما أن يشمها المواطن، حتى يعطس عطسة جبارة، تبعد بنكيران ومن معه، وتقذفه أميالا إلى الخلف، وتحول دون فوزه في الانتخابات، لكنه سرعان ما كان يعود، ماسحا أثر الرذاذ من على وجهه، ومقهقها، أمام استغراب ودهشة صانعي تلك السعوط.
وقد كان واضحا أن المغاربة القدامى بذلوا كل ما في جهدهم للتخلص منه، دون أن نتوصل نحن المعاصرين إلى معرفة سبب تلك العداوة القائمة بينهم، كما أنهم صنعوا حزبا ليواجهه، وأنفقوا عليه المال الكثير، وأساؤوا إلى سمعة السلطة، لكن دون جدوى، فاستعانوا بعد أن نفد صبرهم ولم يجدوا حلا بخبراء أجانب، أحضروا معهم معدات متطورة للقضاء عليه، وقاموا بدراسات وتجارب حول تركيبته، وفككوه من الداخل، ووضعوا أقنعة زجاجية على وجوههم، وأمروا أجدادنا أن يغلقوا كل شقوق البيوت والجوامع، وألا يتركوا أنصاره خارج الثلاجة لمدة طويلة، وخاصة أثناء الليل، ويوم الجمعة، وأن يرشوا الملح والقطران في كل الأماكن والمدن التي يتحكم فيها، وحذروهم من أن يدوسوا على بيض العدالة والتنمية لئلا يفقس، فتتكاثر كتاكيتهم وتتزايد مداويخ بنكيران، الذين من خصائصهم أنهم يكبرون بسرعة ويتزاوجون ويتوالدون، ويبيضون بيضا عجيبا، وفي كل بيضة آلاف الأنصار، أما هدفهم الوحيد في الحياة فهو التصويت في الانتخابات لصالح من أنجبهم ورباهم حتى اشتد عودهم، إلا أن كل هذه المجهودات لم تفض إلى نتيجة، وباءت بالفشل، فأصاب اليأس أولئك الخبراء، ليتم فسخ العقد الذي وقعه أجدادنا معهم، وليعودوا أدراجهم من حيث أتوا مستسلمين، كما يظهر ذلك في فيديو عثر عليه أطفال في ملف مختبئ في مفتاح قرص حاسوب خارجي، حين كانوا يلعبون وسط مكب أنقاض التكنولوجيا الحديثة وأجيال الهواتف الذكية القديمة.
ولا شك أن المغاربة القدامى كانوا يخشون من بنكيران، ولا يثقون في نواياه، ولم يستسلموا من أجل التخلص منه، فعطلوا حكومته لأشهر، وبعد أن فشلت كل الحلول العقلانية، لجؤوا إلى الشعوذة، ورشوا الماء، واستعملوا الزيوت والقنفذ والحرباء والضبع، وكتبوا الأحجبة وعلقوا التمائم.
كما جربوا كل الأطباء، وكان هذا يمنحهم بخاخا، بنكهات حلوة، مثل نكهة البرتقال، والنعنع، والحبق، وذاك يعالجهم بالحقن وبالصدمة، وثالث بالمراهم والتدليك، بينما لم ينجح أي دكتور في تخليصهم منه.
وحاولوا التداوي منه بالأعشاب، ودقوا أبواب العلاج بالحجامة والإبر الصينية والطاقة الكونية، ونصحهم مفكر علماني مشهور بغرغرة محلول زنجبيل مرة في الصباح، ومرة قبل النوم، دون أن تظهر أي نتيجة.
وشربوا مشروبا للتخلص منه مع البيرة، ومع الشاي الحلو، كي لا يشعروا بطعمه المر، واخترعوا المقالب، وحفروا الحفر، ونصبوا الفخاخ، فوقع المداويخ والشيوخ في الشرك، وتم اصطياد بعض منهم يمارسون الحب في السيارة، وضبط آخرون يستغلون مناصبهم، بينما لم يضع هو قدمه في المصيدة، وظلوا ينتظرونه، بينما يحكى أنه لم يكن يغادر بيته، كي لا يقع بين أيديهم. وفي يوم من الأيام استدعوا طباخا ماهرا، ونصحهم بأن يريشوه ويصنعوا منه كسكسا بأربعة أحزاب، فظل يترنح ويقاوم، ثم حاولوا أن يسلقوه، وأن يخسسوا وزنه، وأن يمنحوه للصغار ليلهوا به، ووضعوا له إدريس لشكر في الكأس ليبلعه مع الماء، لكنه تجشأه في آخر لحظة، وأخذوا منه شباط، وتركوه وحيدا، وعاريا، وبلا سند، إلا التقدم والاشتراكية، ورغم ذلك لم يتمكنوا من التخلص منه.
وبعد كل المحاولات والمجهودات والخلطات، وبعد تجريب كل الأدوية وطرق العلاج، توصل المغاربة القدامى إلى أنه لا يمكن التشافي من بنكيران، ولا يمكن التخلص منه بصفة نهائية، واقتنعوا أنه لا حل إلا بالتعايش معه، والقبول به كرجل مزمن، مادامت الديمقراطية هي التي جاءت به، إلا أن أصواتا نشازا ظلت مصرة على القضاء عليه نهائيا، كما اكتشفنا صدفة في رقاقة إلكترونية، يطالب صاحبها بقليه في الزيت، ومصمصة مشروعيته، وشفط أغلبيته.
حميد زيد