في سياق عالم مضطرب يطفح بالتحديات والأخطار، تتوجب الحيطة والحذر من لدن الفاعلين السياسيين المغاربة في بلادنا، من قوى حية وأصحاب الرأي. نعرف في عالمنا أن الأخبار الزائفة جزء من عملية الاستهداف، أو قد تكون رأس الحربة. وكمْ يحبَل عالمنا من أخبار زائفة وُظفت لتسويق قرار، منها جثامين تيميشوارا في رومانيا للإطاحة بالدكتاتور السابق نيكولاي تشاوسيسيكو، والأطفال الرُّضَع في الكويت لتبرير التدخل في حرب الخليج الثانية، وكبسولة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولين باول، في مجلس الأمن لتسويغ غزو العراق. أثبت مجرى الأحداث زيف تلك الاختلاقات التي وُظّفت لتبرير عدوان ما، أو مغامرة، تولد عنهما وبال كبير، في نهاية المطاف.
من الأمور التي تم تداولها على مستوى صحافة الجارة الشرقية، مزاعم خبر اجتماع أمني في إسرائيل (كذا) ضم مسؤولين في المخابرات المغربية، والفرنسية، وأيضا، الإسرائيليين، من أجل زعزعة استقرار الجزائر وتونس.
أعمال العقلاء تُنزه عن العبث، فكيف يجتمع مسؤولون مغاربة وفرنسيون وسبل التواصل مُعطلة بين البلدين؟ وهل من الضروري أن يجتمعوا في إسرائيل، لو صح ذلك؟ ألم تبلغ السوريالة حدا مقرفا، كما الزعم باتهام السلطات المغربية بالحرائق التي عرفتها مساحات من الغابات الجزائرية قبل سنتين، وذلك قبل قرار قطع العلاقات الدبلوماسية الذي اتخذته الجزائر؟
منطق الأشياء أن يلتقي المغاربة والجزائريون في التوجهات لأنهم يشتركون في البنية الذهنية، لكن منطق الأشياء، أو العقل السليم ليس هو الشيء الموزع بالنَّصفة، كما يقول ديكارت، للأسف. وإذا قضت السياسة أن نختلف، فلنختلف وفق قواعد، ووفق منطق، لا من خلال الترخصات والاختلافات، أو التجني المجاني.
أول الصدام الكلام، كما يقول الشاعر القديم، وهو يوقد من العودين، ويكون له بعدها ضِرام، ووقوده الهام. وهو آخر ما يريده عاقل.
ليست المواجهة ولا الحرب، كما يقول المفكر والروائي الروسي ليف نيكولايافيتش تولستوي، في كتابه “الحرب والسلم“، من منطق الأشياء. فلقد كان لفرنسا، حسب هذا الكاتب الكوني، أن تبلغ العظمة من غير الثورة، وكان لقيم الأنوار أن تسود من غير حروب نابوليون، وللمطبعة، أي للذكاء البشري، أن تبلغ ما لا تبلغه كتيبات الجنود. لنحوّلِ الجفاء القائم بين البلدين إلى صراع الذكاء، أيا كانت ساحة المنافسة، في الدبلوماسية، والتجارة، والتعليم، والسياحة، وتدبير الموارد المائية، ولنحتكم لقواعد الشرف، بعيدا عن الكذب والافتراء، والأخبار الزائفة… إلى أن ينجلي الغبار. وهو حتما مُنجلي، إذا لم ننصع لصب الزيت في النار، وإذا أتيح للعقلاء أن يتكلموا. أول القواعد في المواجهة، أيا كانت هي احترام الخصم، لأن احترامه من احترام الذات.
لا نريد صب النار على الزيت. ولا ينبغي لهؤلاء الذي يضطلعون بحمل الكلمة وإنارة الرأي العام، هنا وهناك، أن ينساقوا لما يمليه الهوى والعمى، أو ما قد توظفهم قوى مستترة تنشد التوتر والخراب. فالكلمة مسؤولية، وتغذية الرأي العام ليس لعبة أطفال. وهو أول ما ينبغي أن يُنزّه عن العبث، هنا وهناك.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير