اسمح لي أيها التحكم أن أشتمك أمام الملأ وفي هذه المجلة المحترمة جدا، وأن أقول لك: أنت لست شهما، كما أنك عديم الذوق، ودمك ثقيل. ولو كنتُ مؤرخا يشار إلي بالبنان ويعترف القراء بي وبعلمي لفضحتك يا تحكم أمام التاريخ، ولشوهت سمعتك أمام المستقبل، ولشهرت بك ليصل خبر فضيحتك إلى الأجيال القادمة، ولنشرت غسيلك القذر على حبال الأعوام والعقود الآتية. فلا أفهم كيف أقدمتَ على هذه الخطوة، وكيف تخلصت من ابن كيران في هذه الأوقات العصيبة التي نمر منها جميعا، واعذرني إن كنت صريحا معك، وتطاولت عليك. أنا لا أعرفك، ولم نلتق يوما، لكن رئيس الحكومة المعفي كان يتحدث عنك كثيرا، وكان يواجهك، ويذكرك بالاسم، وتارة يلقبك بالعفريت، وطورا بالتمساح، وكنت أظنك عاقلا، وحكيما، ورزينا، ولن تفرط في رجل له هذه المواصفات، وفي هذه الظروف.
كنت أظنك يا تحكم تسهر على راحتنا، وتفكر في مصلحتنا، وتحرص على أن لا تزعجنا، لكنك تجرأت وحرمتنا من الرجل الذي كان ينتزع البسمة منا في عز الأزمة، وفي هذه الفترة من تاريخنا التي تراجع فيها الذوق، وتراجعت السياسة، والثقافة، والفن، ووصل فيها كل شيء إلى الحضيض، وما أضيق العيش، لولا فسحة ابن كيران، وها أنت يا تحكم تردمها، وتغلقها.
كما لو أنك يا تحكم تحب النكد والتجهم، وتستكثر علينا رئيس حكومة كان يضحكنا، ومتأكد أنه أضحكك أنت أيضا، وفي أكثر من مرة، لكنك تنكر ذلك، وحتى نحن الذين لم نكن نتخيل أن يحصل لنا هذا، وكنا نعتبره خصما لنا، وظلاميا، ورجعيا، جعلنا، وفي أكثر من مرة، فاشلين في الامتناع عن الضحك، ورغما عنا كنا نقهقه، وهو يصيب خصومه في مقتل، ويهزمهم بروح دعابته الفتاكة.
صدقني، إنك لم تحسبها جيدا يا تحكم، ولن تجد شخصا بمقدوره أن يعوضه، ولن تجد من تعول عليه، وأظنك تعلم أن معظم المحيطين بك، وكل المستفيدين، لا موهبة لهم، ودمهم ثقيل، وحتى الجد يفتعلونه، وقد كان رئيس الحكومة السابق يفضحهم دائما، ويجعلهم مسخرة أمام المغاربة، ويمرغ سمعتهم في التراب، فيتمنون أن يسكت.
وفي كل مرة كان ينجح ابن كيران في الانتخابات، ويقود حزبا كان إلى أمد قريب تشعر أنه يحرم الضحك ويكفر النكات والفرح، وفجأة صاروا بدورهم يضحكون، ويجارون زعيمهم، إلى أن تعودوا وأصبحوا مثل باقي البشر، يضحكون ويبكون، وهذا في حد ذاته إنجاز تاريخي كان عليك يا تحكم أن تشكر ابن كيران عليه، وعلى الدور الكبير الذي قام به في تلطيف طباع العدالة والتنمية، بعد أن كان حزبا خشنا وحادا ومتطرفا وبدويا ومتجهما. أنا لا أحب الأبطال يا تحكم، لكنك يا تحكم جعلت من ابن كيران بطلا، وفي زمن اختفى فيه هذا اللقب، أهديت له هذا الوسام، ونيشته يا مغفل، بينما هو كان إصلاحيا ولا يسعى إلى أي مجد.
أنا لا أعرفك، ولا أعرف هل أنت موجود حقا، لكن ابن كيران كان يتحدث عنك كثيرا، وكم سخر منك، وكم هزمك، ومع الوقت صرت أصدقه، وما لا يعجبني في تصرفك، إذا كنت فعلا من لحم ودم، أنك أبديت لنا جميعا أنه أزعجك، وأنك خضت حربا صريحة ضده، وحتى الأطفال انتبهوا إلى الأمر، وحتى بائعو البطاطس والبصل في الأسواق، الكل صار يعلم أنك ضقت ذرعا بقهقهاته، وأنك تعرقله، وتحفر له الحفر، لتتخلص منه. وعبثا أبحث يا تحكم عن الدافع إلى ارتكاب هذه “الجريمة“، لكن دون جدوى، وأضحي بكل شيء لأفهم منطقك، بينما أفشل دائما، ولا شك أنك تعلم أنه كان يسلينا، وأنه كان يجعلنا أحيانا نستلقي على قفانا من شدة الضحك، وكان يصنع الفرجة في قبة البرلمان الرتيب. وأحاول يا تحكم أن أساعدك، وأن أمد إليك يد العون، وأن أبحث لك عن شخص تعوض به رئيس الحكومة، بينما هذا النوع من رجال السياسة نادر، ولن نعثر على بديل له.
وما لديك لا ينفعون في شيء، وقد جربتهم يا تحكم، واكتشفت بنفسك أنهم رديئون، وينشرون اليأس والإحباط، ولا نفع يرجى منهم، والمحترمون منهم دخلاء على السياسة، ودفعهم إلى الواجهة يقضي عليهم ويخنقهم. ولن أسامحك يا تحكم، ولن أبلع بسهولة ما فعلته، ولن أغفر لك كونك حرمتنا من ابن كيران، كما لو أنك تقبل أن تتحول السياسة في المغرب إلى مأتم، والحكومة إلى سرادق عزاء. وحتى لو غفرت لك أنا يا تحكم، فلن يغفر لك التاريخ، وإذا لم يلمك على العودة بتمرين الديمقراطية المغربية إلى نقطة السفر، كأننا بدأنا للتو، فإنه لن يغفر لك كونك حرمتنا من نجمنا المفضل، واحتفظت فقط بالفاشلين، وأمهرهم لن يضحك ولو أشهرت في وجهه مسدسا، وهددته. لا أعرف ما أصابك يا تحكم، فقد كنت فعلا أعتقد أنك ذكي، وأنك لم تعد مصرا على تنغيص حياتنا وتعكير جونا، لكن يبدو أن حليمة عادت إلى عادتها القديمة، واسمح لي أن أصارحك، أنه لا يمكن لشعب سوي أن يعيش دون ديمقراطية ودون ضحك، لأنه سيمرض مع الوقت، ويموت، وستكون أنت الخاسر، ولن تجد شعبا ولا أحدا تتحكم فيه حينها.
حميد زيد