هل نحن، في أعقاب الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، أمام صورة مستجدة لسياق ،1956 أو العدوان الثلاثي، حين هاجمت كلا من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل مصر، في سيناء وبور سعيد، وخرجت مصر منتصرة سياسيا ولو هي انهزمت عسكريا، أم أننا في سياق يُذكر بما بعد ،1967 حين قضى الطيران الحربي الإسرائيلي على الطيران الحربي المصري في ست ساعات، وغيّرت من ثمة إسرائيل خريطة الشرق الأوسط، وأضعفت القومية العربية وأجهزت على الناصرية. الراجح أننا لسنا في سياق جديد لـ56، إذ لا شيء يهيئ أن تخرج إيران منتصرة سياسيا، بعد المواجهة، وهي تجر ضعف وكلائها وأذرعها في المنطقة، واختراق مهول لجهازها الأمني، وترنح إيديولوجيتها. والمؤكد أننا لسنا في سياق شبيه لـ67، كما يحلو لإسرائيل، أو اليمين المتطرف فيها أن يردد. نحن في معادلة غريبة : لم تنتصر إسرائيل، ولم تنهزم إيران. ولكن الحرب ستغير المنطقة كما غيرتها المواجهات التي عرفتها، والتي لم تكن في الغالب تصب نحو الأحسن، وكانت تدفع إلى “الردكلة“، منذ حرب الخليج الثانية في عام ،1991 إلى حرب .2003 من شأن ما بعد حرب الاثنتي عشر يوما كما تسمى، أن تغير المنطقة، والطريف، نحو الأحسن…
تدق الحربُ إسفين الزمن الإيراني، أو الحقبة الإيرانية وتأثيرها في المنطقة. لقد غيرت الثورة الإيرانية الثقافة السياسية بالمنطقة، إذ لم تُخف إيران رغبتها في تصدير الثورة، أما الآن فشغل النظام الإيراني الشاغل الإبقاء عليه وقد تخللته ثقوب وعيوب، ولم تعد إيران تشكل خطرا على جيرانها، لا عسكريا ولا إيديولوجيا، وغدا المسؤولون الإيرانيون يتحدثون عن “الوطن الحبيب“، عوض الثورة، وهو تغيير في الخطاب والتوجه. مهما كان الخطاب، فالواقع يحدث عن نفسه، في ظل توتر اجتماعي واحتقان ثقافي وكساد اقتصادي .أما دول المنطقة التي كانت في ركاب إيران، فقد تراجعت وتقهقرت، ونخرتها الحروب الأهلية والاتجاهات الميلشياوية. وتتيح فترة ما بعد الحرب طرح قضية كانت ضمن المسكوت عنه، وهو شرق أوسط خال من السلاح النووي. ولكن ما الشأن بالنسبة لنا؟ ألسنا بعيدين جغرافيا عن لهيب المواجهة؟ بلى، ولكنا لسنا بعيدين عن لفحها الذي ينتقل إلينا، وسخامها الذي يعلق بنا.
ليس المطلوب الاصطفاف إلى جانب ضد جانب، ولكن الأخذ بالقواعد الضابطة لعلاقات الدول، من خلال المزاوجة بين المصالح العليا للبلد والمبادئ، ومدارها على الوحدة الوطنية، والقضية الفلسطينية. لن يعاب علينا الدفاع عن وحدتنا ومصالح بلدنا الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه لا يمكن التنازل عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في إقامة دولته. ومن الضروري أن يخرج المغرب بمبادرة في السياق الجديد، لصالح الشعب الفلسطيني، مع حلفائه، أولا للدفع بإيقاف الحرب في غزة، وثانيا لضمان دخول المساعدات وتوزيعها، وثالثا بتقديم خطة جديدة بتشاور مع أطراف عربية وأوربية لتفعيل المبادرة العربية، أو حل الدولتين. السياق الجديد من شأنه أن يفتح فرصا جديدة. ولكن رغم ذلك، فالحيطة واجبة، خارجيا وداخليا .وأول أسلحة الدمار الشامل هي الكذب والافتراء، أو الأخبار المضللة التي بدأ البعض في نشرها وتوظيفها، للنيل من بلادنا، وعلى المسؤولين أن يتأهبوا لها، بالدحض، من خلال أدوات ذات مصداقية .ليس بمستبعد أن يتعبأ من لا يخدمهم الوضع الجديد للنيل من بلادنا، بشتى الوسائل. والانتقال من طور إلى طور لا يخلو من مخاطر، وينبغي أخذ الأُهْبة له.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير