كثيرا ما نسمع عن جريمة «عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر»، لكن في المقابل، لا توجد جريمة تسمى «عدم تقديم المساعدة لشعب في حالة خطر»، لأننا ما زلنا نعيش على المستوى الدولي، نسبيا على الأقل، تحت رحمة قانون الغاب: قانون الأقوى. يشكل الامتناع الطوعي عن تقديم المساعدة لشخص يوجد في حالة خطر جريمة في عدد من المجتمعات، غير أنه حين يتعلق الأمر بشعب، مثل الشعب السوري حاليا، لا يعتبر جريمة .وحين لا ينجح الأقوياء في التفاهم فيما بينهم، أو يغلبون مصالحهم المختلفة، يُتْرَك شعب يعاني وحيدا أمام ارتكاب جرائم متكررة يصعب وصفها. تعلم أولئك الذين يرتكبون الجرائم اللعب على الكلمات لإخفاء فضائحهم، حتى وإن كانت الوقائع تغني عن التعبير، في الوقت الذي تكتفي فيه البشرية بالتفرج.
تزعم بعض الأنظمة، التي تسمي نفسها ديمقراطية، أنها تحارب الإرهابيين حين تسحق الجماهير، مستعملة في ذلك الدبابات والطائرات الحربية، فيما تطلق القوى، الكبرى والصغيرة، على تلك السلسلة من المجازر تسمية “حرب أهلية“، وتسمح لنفسها بذلك أن تتخذ موقف المتفرج، وانتظار ما يمكن أن يحدث. يفيد التعريف القانوني لمن لم يقدم مساعدة لشخص في حالة خطر بأنه هو «من أمسك عمدا عن تقديم مساعدة لشخص في خطر، رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة إما بتدخله الشخصي، وإما بطلب الإغاثة دون تعريف نفسه أو غيره لأي خطر». كيف يكون الأمر مع عدم تقديم مساعدة لملايين الأشخاص، أي لشعب كامل، يوجدون في حالة خطر؟
يمكن القول إن القوانين الجاري بها العمل، على المستوى الدولي، مختلفة عن ما هو سائد داخل المجتمعات المحلية.قد يفيد المشرع أن «المشكل يكمن، أمام غياب دولة مركزية، أولا في كيفية تحديد عناصر الجريمة، وثانيا في مَن يمكنه أن يعمل على تحديد تلك العناصر؟ وأيضا من يمكنه أن يحدد الوضع الخاص لشعب في حالة خطر؟». يتحدث القانون الدولي عن مبادئ السيادة، عن الوحدة الوطنية، وعن حرمة الحدود المعترف بها من طرف المجموعة الدولية… لكن لا يتحدث عن مبادئ حرمة الكائن البشري. ألم يحن الوقت لإعادة النظر في قواعد القانون الدولي في حالة تم الدوس على مبادئ هي من الأهمية بما كان؟ ألا تستدعي حالة الشعب السوري مراجعة شاملة؟
سلطت الكثير من الأعمال الأدبية والسينمائية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، الضوء على معاناة يهود أوربا تحت حكم النازيين. وأثارت بعض الأعمال شجاعة أشخاص جازفوا، بإمكانيات محدودة ووسط أخطار محدقة، وعملوا على تقديم مساعدات لليهود المضطهدين. ساهمت تلك الأعمال الأدبية والسينمائية في ترسيخ التربية الأخلاقية للبشرية، في وقت لم تكن فيه فكرة التربية الأخلاقية مطروحة. لقد رسخت، أيضا، الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في الذاكرة.
كان الدرس واضحا. لكن هل تم استيعابه؟
يوجد شعب، الآن، في خطر، ويعاني من اضطهاد أكثر رعبا، ويصعب جدا تصوره. وحوله تكتفي القوى الكبرى بالتفرج، ولا تخرج من سباتها الشتوي إلا عندما تتعرض مصالحها لأخطار بسبب ما يقع في سوريا من تجاوزات. يستمر ذلك، وكأن استمرار عيش عشرات الآلاف من السوريين تحت كماشة الاستبداد الجذري، فضلا عن التقاء مصالح المذاهب الطائفية مع المصالح السياسية الإقليمية، لا يستحق اعتبارا من القوى الكبرى. على أية حال، يوجد شعب بكامله في حالة خطر، وعدم تقديم المساعدة يمكن أن يكون موضوع احتجاج، دون أن يمكن تبريره. ما يزال لا يشكل جريمة بالمعنى القانوني، لكنه يمثل جريمة أخلاقية بكل ما تحمله العبارة من معنى.
عبدو الفيلالي الأنصاري