دأبت العائلات الجزائرية الانتقال إلى المغرب، لا سيما في فترة احتلالهم من طرف العثمانيين، بحيث استقروا ونقلوا عاداتهم وتقاليدهم وسط المجتمع المغربي. لكن خلال القرن التاسع عشر، حدثت هجرات عكسية امتدت لأزيد من قرن من الزمن، حيث دفعت عدة أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية، سكان الريف بالمغرب إلى البحث عن حياة أفضل في الجزائر.
لم يكن المغاربة، لا سيما سكان المغرب الشرقي، يفرقون بين وجودهم في الجزائر أو المغرب، فهم يعتبرون أنهم يشتركون في عدة قواسم دينية واجتماعية، وكذلك في أمورهم التجارية والاقتصادية. والدليل أنه لما تمكن الاستعمار الفرنسي من الجزائر، تعاونت بعض قبائل الشرق وساندت ثورة الأمير عبد القادر الجزائري. لكن بالرغم من “شفافية” الحدود بينهم أو عدم وجودها في معتقدهم، إلا أن وجود فرنسا أثر بشكل كبير في طبيعة العلاقة، وبالتحديد في التجارة والاقتصاد، حيث أفرز حركية نحو الجزائر من طرف أهل الشرق والريف، لا سيما من أجل العمل أثناء مواسم الحصاد أو جني العنب، كما أثر على مواطن استقرارهم.
احتلال الجزائر يفتح الباب
منذ احتلال الجزائر سنة 1830، عملت فرنسا على تقوية نشاطها مع مغاربة الشرق، تمهيدا لتوغلها. لكن المخزن، من جهته، كان يسعى إلى الحفاظ على ولاء قبائل الحدود داعيا إلى مقاطعة المبادلات التجارية مع الجزائر “الفرنسية”. وبعد محاولات طويلة لإيجاد حل وسط في تعامل المخزن مع الجارة الجزائرية المستعمَرة ومنع تغلغل الفرنسيين إلى المغرب، تم توقيع اتفاقيات في سنوات الأربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر، لتسهيل المبادلات التجارية. الأمر الذي جذب اهتمام سكان ريف المغرب، لكنه أقلق الإسبان الذين سعوا بدوهم لتوقيع اتفاقيات تجارية مع المغرب.
بالرغم من احتلال إسبانيا للثغور المتوسطية للمغرب، إلا أن الريفيين ظلوا يتحركون بحرية على طول الساحل المتوسطي من وهران إلى جبل طارق، بحسب ما تخبر به الوثائق التاريخية. لكن نشاط التجارة بين الطرفين وإن استمر لعقود طويلة، حتى أثناء سيطرة الاستعمار الفرنسي على الجزائر، جعل إسبانيا تتوجس منه، بل وتمنعه في خمسينات القرن التاسع عشر. وتسجل الدراسات حول الموضوع بعضا من مظاهر الهجرة نحو الجزائر، وكذلك أشكال اعتراض الإسبان من نمو التبادل التجاري وازدهاره بين سواحل الريف والغرب الجزائري عبر الطريق البحرية، بحيث عملت بكل الوسائل للتضييق عليه. في هذا الصدد، كتب الرحالة الفرنسي هنري دوفيري، في كتابه “الجزء الأخير المجهول من الساحل”، قائلا: «في 18 نونبر من سنة 1852 استولى الإسبان على مركب للسلع في ملكية القلعيين، كان في اتجاه وهران، حيث يذهب عمال هذه القبيلة لكراء سواعدهم إلى المعمرين خلال فترة الحصاد».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»