هو واحد ممن ذاقوا ويلات سنوات الرصاص وأوجاعها، لكنه الوحيد الذي قام بتحويل بشاعتها إلى فن وجمال يتجاوب معه الجميع. إنه عبد العزيز مريد، رائد وأب الفن التاسع بالمغرب، فن الرسوم المصورة، الذي فضح برسوماته أحلك فترات مغرب الاستقلال. بورتريه عن قلم رصاص فريد من نوعه.
لم يكتب لعبد العزيز مريد أن يشاهد ما صنعت أنامله برواية محمد شكري “الخبز الحافي”، التي حولها إلى رسوم مصورة أعادت للرواية بريقها بقالب فني جديد. صدرت رواية شكري مصورة سنة 2020، أي بعد سبع سنوات عن رحيل مريد الذي كان متطلعا لإنهائها وإصدارها، وأصبحت أول تجربة مغربية لتحويل عمل أدبي إلى رسوم مصورة. هذا الفن التاسع هو جنس فني وأدبي دشنه مريد منذ سبعينات القرن الماضي من داخل زنزانته وأسعفه للتحرر من سجانيه. فحينها لم تكن غايته تسلية الوقت وملء فراغ زنزانته، بل كان علاجا نفسيا لتجاوز محنة التعذيب، عندما عجز عن الكتابة على غرار رفاقه ممن كتبوا رواية أو شعرا.
البدايات والنضال السياسي
منذ حصول المغرب على استقلاله سنة 1956، كان السياسيون والمغاربة يعقدون آمالهم على تحسين ظروف عيشهم والانتقال إلى مغرب جديد، لكن يبدو أن بعضهم لم يناسبه المغرب الجديد واعترض على طريقة تدبيره. في سنة 1949، ولد عبد العزيز مريد بحي عين الشق بالدار البيضاء. وعاش كباقي أفراد جيله فترة الخمسينات طفلا لم يع بعد ما ستؤول إليه البلاد بعد 1956. يحكي مريد عن طفولته في كتابه “الحلاق”، أنه بعد استقلال المغرب مباشرة، بدأ مسلسل إفلاس والده الذي كان تاجرا للثوب. مما اضطره للعمل بالموازاة مع دراسته، حيث كان يقصد حلاق الحي كلما رجع من مدرسته. كما اضطرت والدته للاشتغال أيضا من أجل توفير قوتهم اليومي. حرم مريد من التعليم الفرنسي بسبب مواقف والده من الاستعمار، ولم يحظ بتعليم متكامل إلا بعد الاستقلال.
حوّل مريد معاناته التي عاشها وهو طفل صغير في كتابه المصور “الحلاق” الصادر بالفرنسية. رسومات الكتاب لا يسترجع بها مريد فقط طفولته في الحي وعمله لدى الحلاق، بل كذلك ما كان يشهده مغرب الستينات بكل أحداثه البارزة إلى حدود سنة 1965. في حديثه إلى برنامج “نوستالجيا” يسترجع مريد هذه الذكريات، ويقول: «حولتني مظاهرات 65 من تلميذ وديع ومراهق يهتم بدراسته وكرة القدم وبكل رغباته إلى طفل يهتم بأمور السياسة». وأثر القمع الذي قابل تلك المظاهرات في مريد التلميذ. «كنت حاضرا وسطها، ولحسن حظي لم أعتقل ولم أتعرض لأي أذى، أنا في عمر الخامسة عشر. خرجنا من مدرسة مولاي عبد لله ثم توجهنا لمدرسة محمد الخامس، احتجاجا على قانون يخول طرد كل تلميذ رسب سنتين متتاليتين… بدأت الاحتجاجات صغيرة ثم التحق بها المعطلون والطلبة وأبناء الأحياء الشعبية، فاعترضها الامن بالرصاص وبالقمع».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»