لا يمكن طبعا أن يكون حديثنا في هذا الموعد الشهري، إلا عن أكبر حدث عرفه المغرب مع نهاية هذه السنة. فما حققه أسود الأطلس في مونديال قطر ليس إنجازا رياضيا فحسب، هو محطة تاريخية كبرى، بل حدث استثنائي سيتحدث عنه التاريخ وسيلقن للأجيال القادمة ضمن المناهج الدراسية. الحصول على المرتبة الرابعة، بأكبر تظاهرة لأكثر رياضة شعبية بالعالم، ليس حدثا عابرا ولا مجرد إنجاز بلعبة، هي لعبة تحمل معها تراكمات تاريخية وسياسية واقتصادية. فقد تحول العالم من منطق الحروب والدماء والتنافس على الأرض والمغنم، إلى السعي خلف هدف في الشباك، أو كأس يرفع علامة على التفوق، لذا لا تستغرب حين تجد كبريات الدول المتقدمة تنفق الميزانيات الضخمة لدعم هذه اللعبة وتطويرها. لنعد إلى الإنجاز المغربي الكبير والاستثنائي، وبعد انتهاء كل مظاهر الفرح التي عمت المغرب وإفريقيا وبلاد الأمازيغ والعرب، وكل منبوذي الأرض بتعبير صديقنا الأستاذ حسن أوريد، وبعد الاستقبال الأسطوري بشوارع الرباط الجميلة، والاستقبال الملكي الباذخ والمعبر بحضور الأمهات بمختلف اختياراتهم وقناعاتهم الفكرية، وبعد أن تحدثت عنا كل وسائل الإعلام بالعالم كله دون استثناء. ربما دولة وحيدة لم تفعل، لكن مانشيطات كل كبريات الصحف والمواقع بالعالم كان عليها اسم “Morocco”، كل هذا قد حصل وليس بحلم أو خيال، لكن ماذا بعد؟
كيف يمكننا استثمار هذا الإنجاز للإقلاع نحو مغرب أفضل؟ أليس علينا أن نتساءل عن السر في نجاح وليد الركراكي وفشل غيره؟ ما هي الوصفة التي اعتمدها “راس لافوكا“ وفشل فيها من سبقه، لتكون علاجا لكثير من مشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ فوليد اعتمد تقريباعلى نفس تشكيلة من سبقه من المدربين، لم يغير من تشكيلة البوسني الفرنسي السابق وحيد خليلوزيتش إلا عناصر قليلة جدا. لكنه غير كثيرا وكثيرا جدا من روح الفريق، كان قائدا حقيقيا وزعيما ملهما لمن معه من اللاعبين. أزعم أنني متابع للكرة، ومنذ سنوات طويلة وأنا أتابع نجم المنتخب حكيم زياش، سواء بفريقي أجاكس أو تشلسي، لم أره أبدا بكل هذا العطاء والروح والقتالية، وقس عليه كل باقي أعضاء الفريق، بسبب روح القيادة والأخذ بزمام المبادرة وخوض التحدي، مع كثير من الحب والاحتضان، ولذلك حتى موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا“ الرسمي لم يحتف بصورة كاحتفائه بصورة وليد مرفوعا فوق رؤوس لاعبيه، لذلك نحتاج لكثير من رؤوس “الأفوكا“ في كل المجالات والميادين، لنكون ضمن الكبار كما كنا في الدوحة.
ما نحتاجه أيضا هو أن يكون هذا الإنجاز محطة إقلاع لمغرب أفضل، ليس الأمر غريبا ولا بعيدا، كلنا نعلم قصة البرازيل مع كرة القدم، ماذا نعرف عن هذه الدولة ذات الاقتصاد الضخم سوى شواطئها الجميلة وقهوتها الرفيعة وكرة القدم، ملايين السياح الذين يفدون سنويا اختاروا البرازيل لما اعتراهم من فضول عن الدولة التي جعلت من كرة القدم هويتها، وتوجت بكأس العالم خمس مرات، وأنتجت بيلي وزيكو ورونالدو ونيمار.
نعلم جيدا كيف كان حال إسبانيا المتخلفة قبل مونديال 1982 وما حققته من إقلاع اقتصادي بعد ذلك، جعلها اليوم واحدة من أهم الاتجاهات السياحية في العالم .المغرب اليوم وقد حقق الترند على غوغل وتويتر كأكثر كلمة مبحوث عنها، مطالب اليوم كما يسوق لصورته بمسجد الحسن الثاني وصومعة حسان وجامع لفنا وباب بوجلود، أن يسوق لنفسه أيضا بوليد وحكيمي وبونو وزياش.
لا نريد أن يتكرر ما حصل عام ،1986 وإنجاز أسود الأطلس الذي لم نجن بعده إلا الخيبات، ولا ما حصل عام ،2004 بعد أن كنا قاب قوسين أو أدنى من رفع كأس إفريقيا للأمم، ولم يكن بعدها إلا النكسات المتتالية، اليوم علينا أن نعي جيدا أننا المغرب، وأنه بشيء من الجدية والحكامة والنزاهة، مع “نديرو النية“، سنكون في المراتب الأولى في التنمية والتعليم والصحة والاقتصاد، كما كنا ضمن الأوائل على الأراضي القطرية ..وديما مغرب.
محمد عبد الوهاب رفيقي
كاتب رأي