عصفت مؤخرا بالبلدين تونس والمغرب أزمة دبلوماسية، جعلتنا نتساءل عما يجمع البلدين والشعبين، وعن الارتباط التاريخي وطبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية الضاربة في القدم .في هذا الحوار، يجيب المؤرخ التونسي لطفي عيسى، الذي يشغل أستاذ التاريخ الثقافي بجامعة تونس، عن أسئلتنا، ويضيء لنا جوانب أساسية تهم البلدين.
بشكل عام، كيف تقرأ الأزمة الأخيرة بين تونس والمغرب؟ وبغض النظر عن الناحية الدبلوماسية، هل ستؤثر على طبيعة العلاقات “الوجدانية بالأخص” بين البلدين؟
أظن أن ليس هناك أزمة بالمعنى الحقيقي بين البلدين، بل هناك إفراط في الحساسية وافتعال مقصود لكهربة الأجواء، وهو ما يندرج ضمن ارتدادات صدمة 2011 التي ترتب عنها واقع إقليمي متقلب ومتحول جدا، تحتاج قراءته وتدبيره خاصة لكثير من الرصانة والعقلانية، قصد فهم مختلف الإكراهات السياسية وتعدد الانتقالات الرقمية، والبيئية، والطاقية، والاقتصادية التي يعيشها عالم ما بعد الحرب الباردة أو نهاية “القرن العشرين الوجيز“. وهي إكراهات ألقت بظلالها على الجغرافية السياسية الشرق أوسطية وعلى مجال المغارب فيما يهمنا .فتاريخ العلاقات المغربية التونسية غالبا ما اتسم وعلى حد التسمية الرائقة لسعادة سفير المملكة المغربية بتونس أخي وصديقي حسن طارق بـ“غبطة الجوار“، حتى وإن وجب الاعتراف باقتراف الدبلوماسية التونسية، بقدر غير قليل من السذاجة، خطأ بروتوكوليا ينم عن تسرع أرعن .لذلك، كنت أنتظر من الجهات الرسمية المغربية قدرة أفضل على فك شفرة ما حصل، ورده إلى السياق المضطرب والمتشعب للظرفية الداخلية التونسية، وطابع الهواية الذي ما يزال يسم، مع بالغ الأسف، الساحة السياسية الرسمية التونسية.
بالعودة إلى هذه العلاقات، ما مدى تجذرها، أي ما مدى الالتقاء القوي والروابط التاريخية بين تونس والمغرب بالرغم من بُعد المسافة؟
العلاقات التونسية المغربية عريقة ومتجذرة بين المركزيات الاعتبارية لجغرافية المغارب السياسية. فالسديم اللوبي النوميدي الموري يحيلنا على حقيقة تمازجنا العرقي. وتعدد مواقع الحضور البشري لإنسان ما قبل التاريخ وتناظرها من المحيط الأطلنطي إلى خليج سرت، يكفي المطلع على تاريخ المغارب مؤنة البحث عن أدلة لحقائق ميدانية تحولت بالتقادم إلى ما يشبه البديهية. كما أن الامتداد التجاري القرطاجي والاستيطان الروماني البيزنطي الذي خلف العديد من المواقع الأثرية المهمة بمقاطعتي إفريقيا البروقنصلية، وكذا ببقية المقاطعات الرومانية الإفريقية الأخرى (طرابلس، والإمبراطورية، والسطيفية والطنجية)، قد شكل على الدوام عنصر تقارب بين مختلف بلدان المغارب. غير أن دور إفريقية وقيروانها في أسلمة جغرافية المغارب والأندلس ثم تعريبهما لاحقا، كما الدور الطلائعي الذي قام به عدد من أرباب الصلاح المغاربة بالمقابل في تدبير المجال روحيا وتوسيع إطار المخالطة والوساطة وتجديد الخطاب الديني والسياسي، حقيقتان لم تتمكن سرديات المركزيات السياسية الحادثة عن تصفية الاستعمار من جبهما، أو تعمد الذهول عنهما.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 108 من مجلتكم «زمان»