لم يمر تعيين السيدة زينب العدوي في منصب والي جهة الغرب الشراردة بني حسن دون ردود فعل وتداعيات، بين مستحسن للأمر بالنظر إلى كون المنصب الجديد يعتبر مكسبا جديدا للمرأة المغربية، ناهيك عن شخصية السيدة ومسارها الذي يؤهلها لمثل هذا المنصب، وبين مستهجن لرفض مصافحتها من قبل القائد الجهوي السابق للقوات المساعدة بالقنيطرة. بل إن نشر وسائل الإعلام لخبر إقالة هذا الأخير على خلفية هذا السلوك أثارت بدورها ردود فعل منددة، منبهة للحيف الذي صاحب عملية العزل دون محاكمة حينا، و مستعرضة فتاوى في شأن جواز مصافحة الرجال للنساء أحيانا أخرى.
قبل هذا الحدث، بأقل من شهر، كانت الساحة المغربية قد شهدت نقاشا حادا شكلت المرأة قطب الرحى فيه أيضا، على إثر دعوة إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى ضرورة مراجعة أحكام الإرث، في خطاب له أمام نساء حزبه خلال افتتاح المؤتمر السابع للنساء الاتحاديات. وجاء الرد من «شيخ سلفي» يدعى أبو النعيم اعتبر ما فاه به لشكر تطاولا على الشرع، بل يدرج في خانة الكفر والخروج عن الدين. فانقسم الرأي العام المغربي بين منافح عن الاجتهاد مع النص، تماشيا مع متغيرات العصر وضروراته، ومحذر من مغبة الاقتراب من الأمور المحسومة شرعا، وبنصوص قطعية.
مع مطلع سنة 2012 جرى تنصيب حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، واقتصر نصيب النساء فيها على حقيبة وزارية واحدة أسندت لبسيمة الحقاوي، التي عينت وزيرة للتضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية. يومها أيضا أثير النقاش حول هذا التمثيل المجحف للمرأة وتم الحديث عن المناصفة، أو على الأقل البحث عن صيغ تكفل تمثيلا مشرفا للمرأة داخل مختلف مؤسسات الدولة، ولو اقتضى الأمر تفعيل نظام «الكوطا».
من المفيد جدا، أن تحتضن الساحة المغربية مثل هذه النقاشات وهذا التدافع في الأفكار من أجل نصف المجتمع، فيوم كانت مليكة الفاسي المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، لم ينتبه أحد للأمر حينها، باعتباره إجحافا في حق مشاركة وازنة للنساء في وثيقة تطالب بسيادة واستقلال بلدهن. وحتى من أرخوا للمرحلة أو دونوا تاريخ المرأة المغربية لم يقفوا عند هذه الجزئية، بل اكتفوا بالاحتفاء بالسيدة صاحبة التوقيع، استحضارا لثقافة وذهنية المغاربة عصرئذ.
مهم أن يكون النقاش عميقا، ومكرسا لمنظومة قيم جديدة، لكن مستحضرا أيضا لرصيد تاريخي غني للمرأة المغربية. لكن ليس من باب التمجيد، بل من باب إدراك سر التميز باستحضار السياق الذي أفرز هذه الأسماء الوازنة في مجتمعاتها يومئذ، فكليوباترا سيليني يوم فرضت وجودها إلى جانب يوبا الثاني لم يكن الأمر من باب «الكوطا»، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن كنزة الأَوْربية مع المولى إدريس وزنيب النفزاوية مع يوسف بن تاشفين وخناثة بنت بكار سواء خلال فترة حكم المولى إسماعيل أو بعده. والكاهنة عندما كرست وجودها زعيمة للمقاومة، ليس لأن الرجل فوض لها، بل لأنها امتلكت من مهارات القتال ما افتقده في زمنها، والأمر نفسه يمكن أن ينطبق على السيدة الحرة بعد خمسة عشر قرنا. أما ثريا الشاوي التي رسخت اسمها أول امرأة عربية تقود الطائرة، وأصغر امرأة في العالم تنجح في امتحان الكفاءة لقيادة الطائرات، ليس لأن جمعية ما احتضنتها أو لأن فقيها ما أفتى لها بجواز قيادة الطائرات. السر يكمن بالأساس في الموهبة والنبوغ الذي لا يميز بين ذكر وأنثى، لذلك لمعت كل هذه الأسماء، وغيرها كثير، في تاريخ المغرب على مر العصور.
أنشأت تونس، منذ حوالي ربع قرن، مركزا للبحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، تتولى إدارته حاليا الأستاذة الباحثة والمؤرخة رشيدة التليلي سلاوتي، التي ترى أن لا خوف على مكتسبات المرأة التونسية من أي ردة محتملة، أمام المتغيرات الحالية، مادامت قد حصنت نفسها بالتعليم والمعرفة المنتجة، خاصة وأن المناهج التعليمية التونسية استندت إلى مرجعية حداثية. فأحدثت تغييرا عميقا في البنيات الذهنية، وجعلت مسألة المساواة وحقوق المرأة ومكانتها داخل المجتمع مستبطنة في اللاوعي الجمعي للمجتمع التونسي. تلك هي لعمري الضمانة الحقيقية التي تكرم المرأة وتصون حقوقها، وقد أثبت الدستور التونسي الجديد، بالرغم من أغلبية حزب النهضة داخل المجلس التأسيسي، عمق تحليل الأستاذة سلاوتي الذي قدمته، أثناء زيارتي لها في المركز مع زملاء آخرين نهاية السنة الماضية.
ما تستحقه المرأة المغربية اليوم، يعيد لها الاعتبار، وللمجتمع توازنه، هو أولا وقبل كل شيء، تبني الدولة لنظام تعليمي عصري حداثي منتج يعطي الأولوية لمركزية المعرفة، ينتج مواطنا مستوعبا لروح العصر ومتطلباته، التي تستدعي حشد كل الطاقات، لا تعطيل نصف المجتمع.
تعليم يسهم في تغيير العقليات، ويعفي المرأة من صدقة «الكوطا» التي تجعل وصولها للمناصب منة، ومن الحاجة إلى يد خشنة تتحاشى مصافحتها اتقاء للفتنة، ومن «إحسان بالزواج» من قبل من يراه حلا لعنوستها.
الطيب بياض
مستشار علمي بهيئة التحرير