يحل المؤرخ محمد كنبيب ضيفا على مجلة “زمان “لهذا العدد، ليس فقط في إطار عودة العلاقات مع إسرائيل، بل كذلك لأنه باحث ومؤرخ رصين تسبقه شهرة أبحاثه العلمية والأكاديمية. في هذا الحوار، يفتح المؤرخ قلبه للمجلة ويكشف عن مساره الشخصي والعلمي حول أطروحتيه البارزتين : المحميون، ويهود المغرب. وبالإضافة إلى مهامه الدبلوماسية كمستشار ثقافي بسفارة فرنسا، وخبرته الجامعية في تاريخ العلاقات الدولية. هنا، يوضح المؤرخ كنبيب طبيعة علاقة المغرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن جذور الصهيونية وعلاقتها بيهود المغرب.
في البداية، لا بد أن نستغل الفرصة ونسألك عن ردود فعلك تجاه القرار الأمريكي واعترافه بسيادة المغرب في صحرائه؟
يشكل هذا الاعتراف الرسمي حدثا تاريخيا ومكسبا عظيما للمغرب والمغاربة؛ يصعب على المرء الإدلاء بأي رأي، لأن أهمية الحدث معبرة عن نفسها بنفسها. يمكنني فقط أن أقول، من زاوية تاريخية صرفة وفضلا عن المعطيات الجيو–اسراتيجية الراهنة وغيرها، إنه يجوز اعتبار ما وقع، وكما ذكر ذلك الرئيس دونالد ترامب، اعترافا بجميل سنة ،1786 وإقدام المغرب آنذاك على ربط علاقات مع الولايات الأمريكية الفتية واستقبال مفوضيها بمراكش، وإهداء مقر لسفارتها بطنجة رغم غضب إنجلترا وضغوطها، لاسيما وأنها كانت أقوى دولة صناعية وملاحية وعسكرية في العالم حينئذ.
وإذا اعتبرنا الفترة المعاصرة، علينا التذكير برفض السلطان سيدي محمد بن يوسف صبيحة يوم 8 نونبر 1942 الوقوف بجانب المقيم العام الجنرال نوغيس (Noguès) الذي حاول مقاومة إنزال القوات الأمريكية على السواحل المغربية؛ وبعد نجاح الإنزال، استقبل السلطان بحفاوة الضباط الأمريكيين وعلى رأسهم الجنرال س.د. باطون ،(S.D. Patton) وتعرف الأمير مولاي الحسن بهذه المناسبة على الضابط فرنون ولترز ،(Vernon Walters) الجنرال اللاحق والممثل الدائم لبلاده بالأمم المتحدة، وعضو أكاديمية المملكة المغربية. ولا ننسى في ذات السياق مؤتمر أنفا يناير 1943ومقابلة السلطان مع الرئيس فرنكلين دلانو روزفلت، (F.D. Roosevelt) ووعود هذا الأخير بـ“المساعدة الاقتصادية الأمريكية للمغرب المستقل“، وكان ذلك يعني تشجيع السلطان على المضي قدما والمطالبة بالاستقلال. وقد اتخذ روزفلت هذا الموقف رغم استياء القادة الفرنسيين والإنجليز الحاضرين، وفي طليعتهم ونستون تشرشل (W. Churchill) ،والجنرال دوغول (De Gaulle) والجنرال جيرو ،(Giraud) والمقيم العام نوغَيس .وفي ذات السياق، أحدثت جماعة من الوطنيين بالرباط “نادي روزفلت“، وزادت أغنية “الميركان“ في شهرة الفنان الشعبي الكبير، الحسين السلاوي.
وكمواطن، أقول إننا نسجل اليوم مرحلة تاريخية أخرى في العلاقات المغربية–الأمريكية، على اعتبار أن ما جرى، إبان الأسابيع الماضية، له ارتباط وثيق ومباشر بقضية وطنية جوهرية، قدم المغاربة من أجلها تضحيات جسام، وما يزالون صامدين أمام كل التحديات.
بحكم تخصصك في تاريخ اليهود بالمغرب، ما رأيك فيما يخص إعادة ربط العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؟
إن البلاغ الرسمي الصادر بهذا الشأن إثر المكالمة التي جرت بين الملك محمد السادس والرئيس الأمريكي واضح ودقيق، وذلك أيضا هو شأن البلاغ الصادر بعد استقبال جلالته للمبعوثين الأمريكيين والإسرائيليين، ومن ضمن هؤلاء مسؤول إسرائيلي من أصل مغربي خاطب الملك بالدارجة المغربية . لتأمل ما يجري اليوم، علينا أن نضع نصب أعيننا السياق الدولي الحالي، وبطبيعة الحال، مصالح البلاد العليا، وما تسير عليه دوما جميع الدول وتعتبره تكريسا منطقيا لما يعرف بـ“السياسة الواقعية“. ويتجلى من خلال البلاغين أن المغرب ملتزم بثوابته ومواقفه سواء فيما يخص وحدته الترابية، أو فيما يخص وضع القدس و“حل الدولتين“ الذي سبق أن صادقت عليه القمة العربية المنعقدة بفاس.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 87 من مجلتكم «زمان»