ظل الجنود المغاربة الذين شاركوا في المعارك الطاحنة للحرب العالمية الأولى طي النسيان والإهمال وقتا طويلا. ولم ينالوا، قط، التكريم والتشريف اللذين يستحقانهما. يستحق هؤلاء الآلاف من الرجال المجهولين، الذين اجتثوا من حقولهم ومساكنهم، على الأقل حفظهم في الذاكرة.
طلبت القيادة العليا الفرنسية، مع الإعلان رسميا عن اندلاع الحرب العالمية الأولى في بداية غشت 1914، من المقيم العام بالمغرب، هوبير ليوطي، إرسال كافة القوات الأجنبية المرابطة في البلد إلى فرنسا، لأن «مصير المغرب سيحسم في اللورين»، كما كتب له وزير الحرب الفرنسي. لم يكن الأمر يتعلق أبدا بالجنود المغاربة، بل بالقوات الأجنبية المرابطة في المغرب. وفي الواقع، فإن التخطيط الفرنسي العام للحرب كان ارتجاليا، ولم يختلف الأمر بخصوص إدماج المغرب في المجهود الحربي الفرنسي. وبالنظر إلى أن الحماية لم يمر على فرضها أكثر من سنتين، فإن المغرب لم يكن قد خضع بالكامل للسيطرة الفرنسية. لذلك لا شيء كان يؤهله، في 1914، ليكون طرفا في صراع لا يعنيه. غير أنه، على الرغم من ذلك، وجد نفسه في قلب دوامة الرعب التي ولدتها الحرب العالمية الأولى.
فرنسا وأخوة السلاح
كان ليوطي قلقا إزاء التعليمات التي تطالبه بإرسال أفضل الفرق العسكرية إلى فرنسا، إذ إن ذلك يعني إخلاء الخطوط الأمامية، الدرع الواقي بتعبير ليوطي، في وقت كان فيه المقيم العام «في ذروة الحرب على جميع الجبهات، من قصبة تادلة إلى تازة»، وفي مواجهة «خصوم أشداء». واعتبر ليوطي أنه «سيُقضى علينا إذا شرعنا في الإجلاء. وإذا تراجعنا عن أبسط جزء من الجبهة تحت ذريعة تقليص رقعتها، فسوف نكون أمام كرة ثلج […] ستنتج عن ذلك هزة في المغرب بأكمله، وسينهار كل شيء». كان موقف المقيم العام يعكس وعيه التام بأن المغرب، بفضل موقعه الجغرافي، يشكل حجر الزاوية في المنطقة المغاربية بكاملها، ما يعني أن التخلي عنه يخفي في طياته انعكاسات لا قبل لأحد بتوقعها.
محمد بكراوي
تتمة المقال تجدونها في العدد 20 من مجلتكم «زمان»