يعيش المغرب دون حكومة بعد مضي ما يقارب الشهرين على انتخابات 7 أكتوبر الماضي. لا يظهر، إلى حدود نهاية نونبر الماضي، أن هذه الأزمة ستنفرج قريبا، إلا إذا استجد جديد… عادة ما تكون مثل هذه الأزمات عادية في السياقات الديمقراطية، حيث تعجز نتائج الانتخابات عن منح الأغلبية المطلقة لتيار معين. بيد أن الأمر مختلف في الحالة المغربية، ذلك أن المنافسة الانتخابية لم تقع بين أحزاب تمثل تيارات سياسية متمايزة في برامجها. فلم تقع أية مواجهة سياسية حول تمويل التعليم العمومي، مثلا، يبرز فيها برنامج “لبيرالي” وآخر “ديمقراطي اجتماعي” أو ثالث يتراوح بينهما… بل إن حزب التجمع الوطني الأحرار، الذي “يمانع” اليوم في الدخول إلى الحكومة، دون الاستجابة لشروطه، تحمل مسؤوليات أساسية في الاقتصاد والمالية، إلى جانب حزب العدالة والتنمية، طيلة سنوات الماضية، ولم يظهر أي خلاف بين الطرفين حول السياسة الاقتصادية، حتى أثناء الحملة الانتخابية. التقاطب الوحيد الذي طبع هذه الانتخابات كان حول نزاهة الانتخابات، وحياد وزارة الداخلية، وعدم “الاستسلام” للرشاوى الانتخابية، كما دعا لذلك رئيس الحكومة، نفسه، المواطنين أثناء حملته الانتخابية. في هذا المستوى أيضا، لا شيء يبرر الأزمة الحاصلة اليوم، إذ كلا الحزبين حاسم أمره في عدم التحالف مع الآخر. وبينهما ما يكفي من الأحزاب التي يستطيع الفائز إقناعها بالاستمرار معه في الأغلبية المنتهية ولايتها، أو في أغلبية جديدة. لا معنى، إذن، لهذه الأزمة إلا إذا وضعت في السياق الأصلي الذي أدى إلى الصراع على نزاهة الانتخابات. كل الجهد الذي بذل في هذه المعركة حول نزاهة الانتخابات كان يستهدف تطويق الإرادة الشعبية، بغض النظر عن هوية الحزبين المتصدرين لساحة المواجهة. لحسن الحظ أن رئيس الحكومة المنتخب أبدع جديدا في هذه المواجهة القائمة منذ عقود خلت، يتجلى في كشف كواليس هذا الصراع ومجرياته، وإشاعتها بين الناس. وقد كان أول رئيس حكومة “يحتج”، أُثناء ولايته، على وجود دولة موازية للدولة التي يتحمل فيها مسؤولية الجهاز التنفيذي، بعدما كان التعبير عن هذا الاحتجاج يتم في الماضي بصيغ أكثر احتشاما. من نافل القول، إن الانتقال الديمقراطي لا يعني شيئا آخر غير احتكار الحكومة المنتخبة كل ما يمنحها الدستور من صلاحيات السلطة التنفيذية، وخضوع الإدارة لها، حتى يكون للحساب الانتخابي معنى…
عندما توضع على رئيس الحكومة شروط لـ”تسهيل” مأموريته، فإنما يطلب منه أن يتراجع عن هذا الخط. اللغة واضحة، من يتحدث عن “تسهيل المأمورية” بصدد مشاورات حول تشكيل حكومة، يقول ضمنيا أنه بصدد “تصعيب المأمورية”! ما لم يرضخ رئيس الحكومة، المنتخب، للشروط المملاة.
لا مبالغة في الادعاء بأن انفراج هذه الأزمة يمكن أن يكون خطا فاصلا بين عهدين. الماضي الذي ظل فيه الالتباس قائما، بمختلف أشكاله، بين الحكومة المعلومة و”حكومة الظل”، كما اتفق على وصفها في الأوساط الإعلامية. والمستقبل الذي يرجى أن يمتلك فيه رئيس الحكومة القوي، بتجديد الناخبين ثقتهم فيه، كل الإمكانيات لممارسة اختصاصاته الدستورية. ما لم يتحقق هذا التطور، لن تكون الأزمة الحالية سوى هدرا للوقت، وكم هدر من وقت على هذا الطريق…
إسماعيل بلاوعلي