عسى العارفون في اللغة أن يسعفونني في إيجاد مقابل لكلمة “ “Civismeالفرنسية، ولا يمكنها أن تكون المواطنة لأن المقابل لها هو ،“Citoyenneté” ومعنى الكلمة الأولى بالفرنسية يفيد حسن التصرف في الحياة العامة، وجميل الآداب في التعامل مع المواطنين، كأن تمنح مكانك في حافلة لمن هو أكبر منك سنا، أو لامرأة حامل، أن تُخفّض صوتك وأنت تتحدث في الهاتف بمعية الناس، أو أن تحترم مكان اجتياز الراجلة في الطريق، أو تغار على الممتلكات العامة، وهلم جرا من السلوكات التي تنِمُّ عن التحضر وحسن الخُلق والوعي…
والمفارقة التي نعيشها، هي أنه، رغم التجهيزات الأساسية التي يتمتع بها المغرب، ولا يسع المرء إلا أن يفخر بذلك، يظل سلوكنا مُتخلِّفا (ليس من التخلف)، أي لا يواكب هذه التجهيزات. والحداثة التي نتحدث عنها، ونرومها، ونلهج بها، ونُنظّر لها، تبدأ من أشياء بسيطة تُعبر عن الغيرة على الصالح العام واحترام المواطنين. ولا يمكن أن نتستر عن عجز بَيِّن فيها ونحن في موعد دولي، هو المونديال. لا ينبغي أن ننتظر شهورا قبل أن ينعقد المونديال كي نقوم بحملات “توعية“ أو ما شابه ذلك… أبدأ ببعض الملاحظات البسيطة التي نتفق حولها، ولكننا لا نجرؤ على أن نجعلها موضوعا عاما.
أولها، السياقة، وهي شيء خطير (أي مهم جدا)، لأن الخطأ يمكن أن تترتب عنه تعريض حيوات للخطر. ولا شك أن طريقة سياقة المغاربة تطورت إيجابيا، بالنظر للردارات، والعقوبات الزجرية، وحالة الطرق، والمَركبات، والتشوير، ولكن هناك حقوقا ما تزال تتعرض للانتهاك وهي حقوق الراجلة. لا يرى السائق أن يقف في مكان اجتياز الراجلة. ولا يستطيع الراجل أن يجتاز إلا حين تفرغ الطريق. وأي فائدة إذن من مكان اجتياز الراجلة ؟ يرى السائق وقوفه تفضلا، في أحسن الأحوال، مما قد يعرض حيوات الراجلين للخطر .وحدث ذلك فعلا في طنجة مما أودى بسائحة إنجليزية. ويمكن للسائق إذا أبدى راجل حقه في المرور، أن يغضب ويتوعد من قبيل: «باركة من العياقة، وزدتو فيه أصحاب الكارطابلات، وعاود لْـ…. (الكلمة البذيئة المعلومة)»… (وهي أشياء عشتها). ومسألة احترام مجال اجتياز الراجلين ليس من أجل صورة المغرب فحسب، ولكن لحرمة الحياة. يلزم الراجلين، في الوقت نفسه، ألاّ يجتازوا في غير المكان المخصص لهم.
من اللافت هو التضخم في استعمال الهاتف في وسائل النقل العمومية. يُعتبر الهاتف المحمول وسيلة لقضاء الأغراض وتزجية الوقت .لا يعير المستعمل أدنى اهتمام للآخرين، ويجد المرء حرجا في أن يراجع المتمادين في رفع الصوت، والحديث الطويل في الهاتف، لأن لا شيء يمنع ذلك، والحال أن المقطورات صُنعت قبل زمن الهاتف المحمول. وفي حالة البُراق، يرتفع صوت الوصلة من أجل استعمال المكالمات في حيز مخصوص، لكن لا شيء يردع المسافرين من استعمال الهاتف، ومتابعة الألعاب، والصخب .يقل الأمر نسبيا في الدرجة الأولى، أما في الدرجة الثانية فعبثٌ أن تراجع شخصا يزجي وقته في الألعاب، أو الاستماع للموسيقى أو في أحاديث تافهة… وثلاثة الأثافي، مكان ركن السيارات وظاهرة “حارسيها“… ولا أدري كيف بلغت “قفوزية” (نباهة) المغاربة حد التنويم لظاهرة تهدد سكينة المدن. يكفي شخص أن يلبس سترة صفراء، حتى في مكان كُتب عليه موقف السيارات مجاني، ليقف عليك حين تتأهب للمغادرة يقتضيك ما هو دعيرة في حقيقة الأمر… والطريف هو الأداء حتى في الأماكن التي يوجد فيها العداد، وظاهرة “حارسي السيارات“ في المساجد، والمآتم والأعراس، والشواطئ في الصيف من غير تجهيزات، وأقلها مراحيض .ولا عيب أن يؤدي سائق سيارة مقابلا للركن، ولكن لشخص معتمَد من قِبل الجماعة، أو المجلس البلدي، ويذهب الترخيص من أجل بنيات، أو تشغيل عاطلين، أما غير ذلك فنصبٌ واحتيال يُعرّض صورة المغرب للخدش، والمواطنين للنفور.
والطامة الكبرى، جحافل المتوسلين المحترفين الذين ازدادوا بشكل مهول، مما يسيء لصورة المغرب. كل الاعتبارات الناجمة عن الغلاء، والأزمة، والتضخم، مفهومة، ولكن لا تجيز اجتياح الفضاء العام بجحافل من المتسولين، والحال أن المغرب نشط لعقود في العمل الاجتماعي، على مستوى الدولة والمجتمع المدني، وسبق أن تم تحريك مسطرة تجريم التسول. ولا نريد أن يذهب الأمر للتجريم، ولكن للحزم حيث تختلط الحاجة بالاحتيال… والظاهرة تسبب إزعاجا للمواطنين، وخدشا لصورة المغرب.
والختم من التاكسيات، وما أدراك ما التاكسيات… وصاحب التاكسي هو سفير المغرب حينما يحل سائح بالمغرب. ولم يستنكف سياح تعرضوا للاحتيال أو مجرد رفع التسعيرة، أن نددوا لما تعرضوا له، على مستوى عال ودولي. ونترك الأعراس، والمآتم، والمقابر… لأن تلك (حريرتنا بينتنا)،
وعوض مصنفات حول تفكيك بنية ما لا أدري، والتاريخانية، والتقليدانية، من المصطلحات المجلجلة، أو تقارير دولية حول مؤشر التنمية، والرامز كذا، وما لا أفقه، يكفي أن نبدأ بهذه الأمور البسيطة، عسى أن تنتهي لأذان صاغية، وعقول راجحة، حتى تُؤخذ هذه القضايا مأخذ الجد. ولا حاجة لشركات لتلميع صورتنا في أقباء مترو الحواضر الغربية. نبدأ من هنا. في أشياء غير مُكلفة إلا ما يقتضيه العقل السليم، و“Civisme”. هل تفيدنا أكاديمية المملكة في مقابلها، ولمَ لا في مدلولها؟ أم هي جعجعة من غير طِحْن (وليس طحين كما أراد متفيهق أن «يُصحح» لي.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير