أحسن المسؤولون المغاربة صنعا بتقديم التعازي في فاجعة الطائرة الجزائرية التي سقطت وهي تقلع من القاعدة العسكرية ببوفاريك ليقطعوا بذلك دابر أي تأويل مغرض، في سياق متوتر، وأحسن الوزير الأول الجزائري السيد أحمد أويحيى في ندوة صحافية وقد سئل عن رسالة التعزية المغربية ولم ينسق للمزايدات ولا للتأويلات المغرضة.
هي نبرة متعقلة من الطرفين، وتأتي أهميتها في السياق المشحون، بل المتوتر. هناك طبعا مشكل بين المغرب والجزائر، ولا يفيد كثيرا القول بأن المشكل هو ما بين المغرب وجبهة البوليساريو، وإلا فلمَ تصر الجزائر على استمرار إغلاق الحدود البرية بينها وبين المغرب. استطاع البلدان أن يتحكما في التوتر ويضبطا خلجاته وانفلاتاته، ولكنهما لم يستطيعا أن يتجاوزا ذلك. أي أنهما بقيا في حالة اللاحرب واللاسلم لعقود. وهي حالة معطلة لطاقات، ولا يمكن الزعم التحكم فيها إلى ما لا نهاية. حل مشكل ما يقتضي إجراء تشخيص دقيق له، كما في عملية جراحية، فما يقال في قاعة الانتظار لذوي المريض ليس ما يقال في قسم العمليات بين ذوي الاختصاص.
قضية الصحراء من منظور مغربي، ليست قضية شخص أو أشخاص أو جماعة. قد يختلف المغاربة فيما يخص المقاربات، ولا يختلفون من حيث المضمون. قضية الصحراء وجودية بالنسبة لهم، وهم يدافعون عن المغرب من خلال دفاعهم عن الصحراء، ومن خلالها يربطون الصلة بتاريخهم. بقدر ما يرتبط المغرب بالتاريخ، في نزاع الصحراء، بقدر ما تظهر الجزائر مهووسة بالجغرافية. تريد خارطة تُبقي على الوضع الناجم عن فترة الاستعمار. كما لو أن للاستعمار شرعية. وكما لو أن الدولة التي استعمرت الجزائر لزهاء قرن ونصف، لم تنبذ الاستعمار كما ورد في تصريح الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، بالجزائر ذاتها وهو إذاك مرشح. ومن جهة أخرى، لا يمكن أن ننكر وجود جبهة البوليساريو ليس لأنها طرف في النزاع، بل لأن لها حضورا دوليا. كما طفلٍ طبيعي، قد نستنكر ظروف حمله ولا يمكن أن ننفي وجوده. هذه أشياء معلومة ومعقدة، وهي التي أفضت لوضع لا حرب ولا سلم. ولكن وضع لا حرب ولا سلم ليس حلا، ولا هو ضامن للأمن، أو مانع من الانزلاق. لا بد من تغيير البراديغم كما يقول السيد منصف المرزوقي.
أصبح الأمر ملحا بالنظر للأخطار المحدقة. أول العوائق مما يشكل خطرا، هو العبء المالي وتبعاته في السباق نحو التسلح، على حساب أولويات ملحة وعجز مريع في القضايا الاجتماعية وإخفاق في التصدي للقضايا الثقافية وأعراضها، وهي في الغالب ذات طبيعية أفقية أي تتخلل البلدين بل بلدان المغارب. وثاني الأشياء أن لا شيء يمنع أن تعود المنطقة بؤرة للتوتر الدولي، كما في سياق الحرب الباردة، وتصبح ساحة لتضارب قوى دولية، وخطرا على السلم العالمي. ليس في الأمر تخرص، بل احتمال ممكن. ولا حاجة لإعطاء أمثلة إقليمية. وثالثا، لا شيء يمنع استفحال الخطابات الهوياتية وانزلاقها، مما يشكل تهديدا على وحدة الدول. ورابعا لم يعد عامل الزمن ينحو نحو الحلحلة، بل إلى تعقيد المشكل وتأجيجه. البلدان في قطيعة، ولم تعد الأجيال الحالية تعرف بعضها البعض ولا ترتبط بالروابط الوجدانية التي ربطت الأجيال السابقة. وخامسا، خطر الإرهاب، الذي يتغذى من هشاشة الأوضاع، والبنيات المتصدعة. منطق الأشياء أن يتم الحوار بين مسؤولي البلدين. ولكن هذا الحوار لم يتم، وحين تم لم يفض لشيء، وليس هناك ضمانة كي يفضي لشيء في السياق الحالي. ألا يستحسن والحالة هذه أن يلتقي حكماء المغارب، من أجل أن يرسوا بارديغم جديد؟ أو يرعوا بنية تفكر في هدوء، من هؤلاء ممن لهم معرفة بالموضوع ووعي بأخطاره، أمثال المنصف المرزوقي ولم لا راشد الغنوشي والخضر الإبراهيمي، وعبد الرحمن اليوسفي ومحمد بن سعيد، على سبيل المثال. نحن على شفا جرف هار، كل شيء فيه ممكن. والمؤكد أن الوضع الساري، أو الستاتو كو، لم يعد ممكنا.
فهل سنكون صانعين للتاريخ أو موضوعا له؟
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير