لم يعد اختفاء اليسار من الساحة السياسية المغربية يفاجئ أحدا. في أقل من 50 سنة فقد المجتمع المغربي تعبيره السياسي الأكثر مساهمة في التقدم. تفككت المنظمات اليسارية كبيرها وصغيرها، إن جاز التعبير، وانحصر تأثيرها. بيد أن تلك المنظمات لم تكن في الأصل سوى تعبير عن واقع موضوعي.
كان التقدم حاجة مجتمعية، والمنظمات التقدمية إنما ظهرت وتطورت لتلبية تلك الحاجة، مهما كان الاختلاف حول مضمون هذا التقدم، بين هذا القائد أو ذاك، هذا الإيديولوجي أو ذاك، هذا الفريق أو ذاك… شعوب وقبائل جمعها الطموح نحو التقدم تحت خيمة واحدة. الظاهر أن الاتفاق حول الحد الأدنى المشترك في تعريف هذا المضمون وتحديده بوضوح، كان من الهموم الأساسية للإيديولوجيين والقادة. حتى أن إعداد وثيقة مثل التقرير الإيديولوجي لمؤتمر الاتحاد الاشتراكي الاستثنائي سنة 1975 مر من مخاض ومواجهات فكرية، إيديولوجية، فرضت صياغة النص في شكل تركيبي “توافقي”، نوعا ما، بين بعض وجهات النظر المختلفة…
لماذا آل كل ذلك إلى الزوال؟ اهتم الكثيرون بهذا السؤال، وهو مهم بالتأكيد، لكنه أقل أهمية من سؤال قلما يثير الاهتمام: هل ما يزال هناك طلب على التقدم في المجتمع؟ عنه يتولد سؤال آخر بداهة: ما التقدم اليوم؟ ما مضمونه في مغرب 2015؟ بل ما الذي يمكن أن يميزه عن المحافظة؟
هل يبدأ التقدم اليوم من تعبئة جمهور المتضررين من غياب أية حماية اجتماعية طيلة العقود الماضية؟ أولئك الأيتام الذين لم يتخلفوا طيلة تلك العقود عن أداء واجباتهم، أكثر من غيرهم، في مختلف أنواع الضرائب. أم تراه يبدأ من تعبئة ضحايا الهشاشة الذهنية الحادة، التي جعلت الكثيرين بيننا يرحلون فجأة نحو همجية القرون الوسطى في جحيم الشرق الأوسط؟ وهل من داع لترتيب الأولويات بهذه الصيغة أو تلك؟ الأكيد أن هناك أجوبة متناقضة وسط المجتمع عن كل من هذه الأسئلة. الفرق أن الذين يؤمنون بالأجوبة المحافظة، إذ يعتقدون أنها ترعى مصالحهم المادية والمعنوية، لديهم من يعبر عنهم في مختلف منظمات اليمين… بينما الآخرون أيتام، لم يعد يعبر عنهم أحد.
لعل مثل تلك الأسئلة الأكثر تحفيزا على التوضيح، والوضوح الإيديولوجي شرط السياسة، أي سياسة فأحرى تلك التي تبتغي التقدم.
إسماعيل بلاوعلي