قبل سنوات، أصدرت السلطات المغربية “عفوا عاما“ على المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في إطار رؤية وطنية لمعالجة هذه القضية، لا تنفصل عن الرؤية العامة التي تضبط علاقات المغرب بالقارة السمراء، وهي رؤية تقوم على مزيد من الاندماج والاستثمار والتواصل مع العمق الإفريقي، وبما يقوي الحضور المغربي في اقتصاديات دول القارة، خصوصا في دول غرب إفريقيا القريبة.
ويقضي العفو بمنح الإقامة لكل مهاجر إفريقي يرغب في البقاء على الأراضي المغربية والعمل فيها أو الدراسة، ناهيك عن منح جميع أفراد العائلة الحقوق ذاتها، وليس كل الأفارقة يرغبون في الإقامة، لأن عددا كبيرا منهم جاء للعبور من خلال المغرب إلى أوربا…
وتعتبر المعالجة المغربية لهذه المسألة منسجمة مع القيم الإنسانية التي تجرم التمييز العنصري، ومع القوانين الدولية التي تحض الحكومات على التسوية القانونية للمهاجرين غير النظاميين، امتثالا لمنظومة حقوق الانسان كما نص عليها العهد الدولي والعديد من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف، كما تحول مثل هذه المعالجات دون تنامي الأفكار العنصرية والفاشية والعنيفة وسواها من التصورات المتخلفة التي لا تنسجم مع تطور الفكر البشري، ناهيك أن المغرب يعرف أن لديه الملايين من مواطنيه المهاجرين إلى دول الضفة الشمالية، ويتطلع دائما إلى معاملة بالمثل.
كما يملك المغرب استراتيجية تنموية إزاء إفريقيا، التي تعتبر قارة المستقبل، فإذا أرادت دولة ما أن تكون مقبولة في إفريقيا فعليها أن تستثمر في ذلك، ويبدأ استثمارها بالمعاملة الطيبة لأبنائها، وهكذا وظف المغرب جميع العناصر الضرورية للتمكين لخطته الاقتصادية الإفريقية، ابتداء من قانون توطين الأفارقة في المغرب إلى تطوير بنيته في النقل الجوي والبحري ومنظومته البنكية والتأمينية وديبلوماسيته الاقتصادية، وانتهاء بتوظيف الطرق الصوفية والسياحة الدينية والتبادل التعليمي والثقافي، وقد أثمر هذا التوجه نتائجه المحمودة حيث أصبح المغرب رقما مهما في المعادلة الإفريقية.
ويعتبر الحديث عن التغيير الديمغرافي حديثا تافها وساذجا ومنافيا لكل وجهة نظر علمية، فالهجرة الإفريقية غير النظامية هي هجرة لآلاف وليس لعشرات أو مئات الالاف، وحتى لو كانت كذلك فهي لن تؤثر في بنية سكانية من ملايين، ناهيك عن تناقضها الصارخ مع الشعارات المرفوعة، سواء تعلق الأمر بالوحدة والتضامن الإفريقيين، أو بأن إفريقيا للأفارقة..
أما حديث البعض عن سلوك الأفارقة في عدم الالتزام بالنظافة أو عدم احترام القوانين المحلية أو سواها، فلن يكون سوى حديثا ممجوجا غير لائق بالإنسان، وهو ترديد لشعارات اليمين المتطرف في أوربا الذي يقول كلاما سخيفا مماثلا عن المهاجرين العرب القذرين والمجرمين كما يزعم، في سحب مشين لتجاوزات فردية ربما على جماعات بأكملها.
وأما الحديث عن تهديد البعد الإفريقي للهوية العربية الإسلامية، فأكثر سخافة بكثير، لأن إفريقيا قارة مسلمة بالدرجة الأولى، ولأن عرب إفريقيا سمر البشرة في أغلبيتهم، سواء في دول الشمال الإفريقي أو في دول الساحل والصحراء..
إن خطابات الكراهية والشوفينية والشعبوية والعنصرية والفاشية والنازية، هي خطابات تناقض الحقيقة التي يجب أن يكون عليها الإنسان، كما تتناقض مع الإنسانية.
خالد شوكات
وزير تونسي سابق