في شهر فبراير 2024 نشرت في زاوية هنا تحت عنوان حرب المضايق، تحدثت في هذا النص عن الحرب التي ستبدأ حول المضايق، وتوقفت عند حرب آتية حول مضيق هرمز. وقلت: «الممر الثالث هو مضيق هرمز والذي تكاد إيران تقتسم السيطرة عليه مع أمريكا باعتبارها حليفة دول الخليج النفطية، لكنه يمثل نقطة ساخنة قد يمكن أن يخرج فيه الوضع عن السيطرة في أية لحظة، لاسيما أن أمريكا أوعزت إلى الهند ومعها بعض الدول الخليجية وإسرائيل إلى خلق ممر يزاوج بين البحر والبر ليمر عبر الهند فالإمارات العربية فحيفا بإسرائيل وصولا إلى أوروبا. وهذا الممر في نظر أمريكا يسعى إلى كسر شوكة طريق الحرير التي اقترحتها الصين وانخرطت فيه عدة دول، حتى الأوروبية منها، لكنها انسحبت منه تحت الضغط الأمريكي». وكنتُ قد أكدت، في ذات الزاوية، أن حرب غزة قد قامت بدور في تأجيل هذا المشروع، خصوصًا وأن الحوثيين، المدعومين من إيران، دخلوا على خط الحرب باسم الدفاع عن الفلسطينيين وعرقلوا بذلك الملاحة بمضيق عدن.
لكن الأحداث اليوم تسير في اتجاه أخطر؛ انفجرت الحرب التي كانت متوقعة بين الهند وباكستان. هذه الحرب، التي طالما ظلت تحت الرماد منذ الصدامات الدامية في كارجيل وأزمة كشمير، لم تعد محدودة بمجرد اشتباكات حدودية، بل اندفعت لتأخذ طابعًا إقليميًا ودوليًا، بالنظر إلى حساسية موقع البلدين الجيوستراتيجية وانخراطهما ضمن مشاريع دولية متنافسة.
الهند، الحليف الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة في آسيا، أصبحت رقعة أساسية في لعبة كسر طريق الحرير الصيني .المشروع الأمريكي–الهندي–الخليجي–الإسرائيلي الذي يمر عبر موانئ الهند وصولًا إلى حيفا، كان وما يزال يهدف إلى إعادة رسم خارطة التجارة العالمية، متجاوزًا كل من قناة السويس ومضيق هرمز .لذا، فإن أي اضطراب عسكري في هذه المنطقة يعيد ترتيب الأولويات ويخلط الأوراق. من جهة أخرى، تمثل باكستان نقطة ارتكاز في مشاريع الصين الطموحة، وخاصة فيما يعرف بالممر الاقتصادي الصيني–الباكستاني، والذي يصل الصين بميناء جوادر على بحر العرب. هذا الميناء يتيح للصين منفذًا مباشرًا إلى المحيط الهندي دون الحاجة لعبور مضيق مالاكا، ومن ثمّ فإنه يُعد إحدى أعمدة «الحزام والطريق».
الحرب بين الهند وباكستان إذن، ليست مجرد صراع حدودي أو ديني، بل هي في عمقها صراع حول المضايق والممرات والنفوذ العالمي خصوصا إذا توقفنا عند حلفاء كل من البلدين. فالهند تتخذ لها من الولايات المتحدة الأمريكية حليفا، والصين تفعل كذلك بباكستان. ولقد انتبهنا إلى أن هناك شيئا ما يطبخ عندما قرأنا في الأخبار العالمية عن انفجار ضخم ومهول في ميناء بوشهر الإيراني يوم 26 أبريل 2025. ولم نكن نظن أن هناك من سيدفع إلى هذا التصعيد وبهذه السرعة. إيران، وهي عنصر أساس في شبكة الممرات سواء من جهة الخليج أو في دعم القوى غير النظامية مثل الحوثيين، تجد نفسها اليوم أقرب إلى بكين وموسكو منها إلى أي محور آخر. وهي بدورها تستفيد من كل تصعيد يضعف السيطرة الأمريكية على خطوط الملاحة. وعليه، فإن اشتعال جبهة كشمير يخدم مصالح إيران غير المباشرة لأنه يُشْغِلُ الهند عن الممر الاقتصادي المقترح، ويمنح طهران مزيدًا من الوقت لتثبيت نفوذها الإقليمي. في سياق الحديث عن النظام العالمي الجديد الذي يُعنى بشكل رئيس بخطوط التجارة وطرق الطاقة، يُطرح السؤال حول دور الأسلحة التقليدية في المواجهات الدولية، خصوصًا في ظل التصعيد المتوقع بين الهند وباكستان .فبينما تُظهر المعطيات الحالية أن الهند وباكستان قد تنزلقان مجددا إلى صراع عنيف، فإن تأثير الأسلحة التقليدية، سواء الصينية أو الإيرانية، يتجاوز بكثير مجرد قوة النيران التي تمتلكها هذه الدول. إيران والصين، على الرغم من أنهما لم تظهرا في الصورة التقليدية كقوى عسكرية مهيمنة مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل، إلا أنهما قد اكتسبتا قوة هائلة في المجالات غير التقليدية التي تمثل أسلحة استراتيجية في هذا السياق. فالصين، من خلال استراتيجياتها الاقتصادية والعسكرية المتطورة، تتمتع بتكنولوجيا عسكرية متقدمة في البر والبحر، خصوصًا في مجال الأسلحة الصاروخية والطائرات المسيرة. بينما تعتبر إيران أيضًا قوة إقليمية بامتياز، إذ نجحت في تطوير قدرات دفاعية وجوية قوية، مما يمنحها تفوقًا نوعيًا في استراتيجيات الحرب غير النظامية، وهو ما يهدد بتغيير موازين القوى في المواجهات العسكرية بين القوى الكبرى، وخصوصا الهند وباكستان.
إذًا، من خلال تفاعل هذه القوى، يظهر التأثير العسكري لكل من إيران والصين واضحًا في الصراع المحتمل تجدده بين الهند وباكستان. إن الترسانة التسليحية التقليدية التي تمتلكها هذه القوى أظهرت نجاعتها في الحرب، وقد تكون قادرة على تغيير مسار الصراع بشكل حاسم، في مواجهة الأسلحة الأمريكية والإسرائيلية وحتى الروسية على ما يبدو.
فهل تخرج منطقة جنوب آسيا من هيمنة الغرب؟
موليم العروسي
مستشار علمي بهيئة التحرير