قبيل المسيرة الخضراء بقليل رحلت أسرة حمادة البيهي، وكان سنه 8 أشهر فقط، نحو مخيمات جبهة البوليساريو وحمل والده السلاح دفاعا عن الانفصال والجمهورية العربية الصحراوية. يسترجع البيهي ذكريات أليمة لطفولته القاسية وسط مخيمات الجبهة واضطراره للهجرة وهو مايزال طفلا نحو كوبا للتعليم والتكوين السياسي والعسكري. كما يشرح، في أول حوار له خص به «زمان» تطور مساره الفكري من القناعة التامة بمشروع الانفصال إلى العودة نحو أرض الوطن قبل أشهر قليلة. كما يقدم البيهي، تصوره لأفق القضية الوطنية وواقع المخيمات وثقته في المستقبل.
رحلت إلى مخيمات تيندوف وأنت ما تزال رضيعا. كيف جرى ذلك؟
حدث ذلك سنة 1975 وكان عمري لم يتجاوز بعد 8 أشهر، قبل المسيرة الخضراء بقليل. أدركت في ما بعد الظروف التي رحل فيها أهلي، من نواحي السمارة، وكثير من الصحراويين. كان أهلي رعاة رحل أصفياء النية، جاءتهم شاحنات لترحل بهم نحو المخيمات، بعد أن قيل لهم إن المغرب سيحتل الصحراء وأن عليهم أن يبنوا دولة تضمن لهم الكرامة والحرية. كانت النخبة الملتفة حول الولي مصطفى السيد، في نطاق جو عالمي يتميز بثورات شيوعية كثيرة، تحرض الصحراويين على الرحيل، بدعم من القذافي طبعا، ثم بومدين وقادة أنظمة شيوعية كانت قائمة آنئذ.
هل كان هذا الخطاب التحريضي موجها ضد السلطة القائمة آنذاك في المغرب أم مبنيا على أساس أن الصحراويين ليسوا مغاربة؟
كان سني صغيرا حينها وحسب ما فهمت، لاحقا، لا شك أن الشباب الذين قاموا بذلك كان يعبرون عن رفضهم للتهميش والإقصاء الذين شعروا بهما وهم طلبة في كليات الرباط، من طرف السلطات المغربية، إضافة إلى التخويف من الاجتياح المغربي لمناطقهم. لكن بعد لجوء تلك النخبة التي أسست هذا الخطاب، والملتفة حول الولي مصطفى السيد، إلى الجزائر تغير خطابها وأصبح يقوم على مبادئ ثورية جديدة تتمحور على التحرر والكفاح من أجل الاستقلال والكرامة والانعتاق…. لا يجب أن نغفل ثلاثة عوامل أساسية في هذا السياق. أولا أن المستوى الثقافي للصحراويين آنذاك كان ضعيفا وذهبوا حفاة عراة ليرتموا في أحضان تلك النخبة المؤسسة لهذا الوعي بالكيان الصحراوي. ثانيا أن العقيد معمر القذافي كان يدعم هؤلاء المؤسسين بكل قوة. ثالثا أن الدولة في المغرب كانت آنئذ ضعيفة وجزءا من العالم المتخلف، وكان هناك فعلا إقصاء ليس للصحراويين فقط بل للكثير من المغاربة الآخرين في الريف والمناطق الأمازيغية وغيرها. كانت هناك أخطاء كثير من جانب الدولة وجميع فئات الشعب المغربي مسها التهميش والإقصاء.
حاوره إسماعيل بلاوعلي وحسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 13 من مجلتكم «زمان»