احتضت مدينة أكادير حفل اختيار «ملكة جمال الأمازيغ» شهر يناير الماضي، في مبادرة نجحت في إبداع فرصة للفرح وإبراز حس التضامن لدى المغاربة، من خلال توجيه ريع المسابقة للمتضررين من الفيضانات الأخيرة، كما أعلن. بيد أن تفصيلا في شروط المسابقة يكشف، في المقابل، اضطراب الكثير من المغاربة في الوعي بـانتمائهم للمغرب، واقتران ياء نسب المغربي بوطنه. فمن شروط المسابقة أن تتقن المرشحات اللغة الأمازيغية، لكن أيضا أن تتحدر من «أصل» أمازيغي، استنادا لتصريح نقلته وكالة أنباء «الأناضول» عن رئيس اللجنة المنظمة.
لو اشترط في المرشحات إتقان الأمازيغية، دون سعي للتحقق من «أًصولهن»، لطابقت شروط المسابقة أطروحة الحركة الأمازيغية، في عمومها، لكنها انزلقت نحو تأويل أصولي للأمازيغية، صار يغلب على خطاب بعض النشطاء الأمازيغ، خاصة الشباب المتحدرين من المناطق الفقيرة المهمشة. يستتبع نسب المغاربة الأمازيغ، لـ«أصل» مفترض، تهميش نسبهم للمغرب، وطنهم الفعلي، وربما تسويغ نسبتهم لوطن افتراضي، لم يوجد قط، يسميه البعض «تامزغا». تماما كما ينسب بعض القوميين العرب، المغاربة لوطن عربي، مفترض، غير موجود ولم يوجد قط. بينما ينسبهم الإسلاميون لأمة إسلامية مفترضة غير موجودة ولم توجد قط. فضلا عن نسبة الصهاينة، للمغاربة اليهود، لوطن ظل مفترضا وحين خلق عنوة، في إسرائيل، خلقت معه واحدة من أفدح مآسي التاريخ.
مقابل هذه الأصوليات، يوجد أفضل ما اخترعته البشرية، في مسارها الطويل، للتعبير عن الانتماء لجماعة معينة، تنظم شؤونها في إطار دولة عصرية، متجاوزة كل التحديدات الأصولية القديمة. أي المواطنة. المساواة التامة بين المنتمين لوطن واحد في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلافاتهم الثقافية. قبل ذلك، كان البشر يختارون عتبة معينة في ماضيهم فينسبون إليها أنفسهم باعتبارها «أصلهم»، بداية تميزهم عن غيرهم. يحدد البعض هذه العتبة في اللحظة التي تميز فيها أجدادهم بلسان معين سمي أمازيغيا، والبعض الآخر في اللحظة التي تميز فيها الأجداد بلسان سمي عربيا، وآخرون في اللحظة التي ظهر فيها الإسلام… كل يختار أصله، فالأصل في النهاية مجرد اختيار إيديولوجي لشرعنة إطار سياسي للانتماء غير متحقق بعد (باستثناء حالة إسرائيل). بينما يعبر الانتساب للوطن المغربي، عن الواقع الفعلي للمغاربة، ويحميهم الوعي به من التورط في حروب الآخرين، ويمكنهم من الحفاظ على سلمية الصراعات الاقتصادية والثقافية، الطبيعية، بين مختلف فئاتهم، ومنها الصراع حول مكانة الثقافة واللغة الأمازيغية باعتبارها قضية المغاربة أجمعين.
إسماعيل بلاوعلي