عندما نراجع متطلبات السياق الحالي، نشعر بالذهول حقاً. وبما أن التطلعات والعروض كثيرة ومتنوعة، فإن وسائل تحقيقها صعبة للغاية. هذا بالضبط ما تضمنه خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الواحدة والعشرين لعيد العرش. لقد جعلت الجائحة الوبائية (فيروس كورونا المستجد) من الممكن الكشف عن أوجه القصور الصارخة في جميع الأنشطة البشرية. مثلا، يعاني قطاع الصحة العمومية من نقص واضح من حيث عدم كفاية الموارد المادية والمعدات.
بمتوسط ألف حالة وفاة في اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، حتى إذا كانت المقارنة غير عادلة، فمن الواضح أن المغرب ليس في وضع يمكنه من احتواء هذه الظاهرة. لكن ذلك لا يمنع من عقد المقارنات ومن التوقع بناء عليها. في لقائه الأخير مع الصحافة، وبينما كان على وشك تسليم مفاتيح مكتب الوزارة الأولى، لفت إدريس جطو (الوزير الأول السابق 2007-2002) الانتباه إلى قضيتين رئيسيتين كانتا تغليان على نار هادئة: حالة المستشفيات ونظام التقاعد في المغرب. رأى أن أكبر المستشفيات يجب أن تخضع لعملية إعادة هيكلة كاملة. لكن ذلك كان بتكلفة لا يمكن أن تتحملها المالية العامة للبلاد. وفجأة، لم يركد وضع هذه المؤسسات ذات الانتظارات الشعبية الكبيرة فقط، بل تدهور.
المشكلة الأخرى الحاضرة، دائما في جميع الخطب السياسية، وفي جميع التحليلات النخبوية والفئوية والشعبية، تتعلق بالعمود الفقري للحياة في المجتمع، والتي ليست سوى البطالة، خاصة بالنسبة للشباب الباحثين عن عمل.
لقد أصبحت فرص العمل نادرة. ومن المفارقات أننا نعتمد على عمليات الإغلاق أو ما يسمى بإعادة الهيكلة لسرقة عمل الجار. هنا تعتمد الشركات الصغيرة والمتوسطة، بشكل كبير، على الإجراءات التي أعلن عنها محمد السادس لإنقاذ فرص الشغل والاستمرار في العيش.
من المشاكل الأخرى، استمرار عدم ارتباط جيوب المدن الصغيرة أو الدواوير الموجودة في الجبال والقرى بشبكات المياه والكهرباء وبقنوات الصرف الصحي، مما يعكس حداثة حضرية زائفة.
لقد أصبح طلب تعميم التغطية الاجتماعية أشبه بمعجزة أو، على الأقل، رفاهية لا يمكن تحقيقها حتى الآن. ربما علينا الانتظار بما سيأتي به النموذج التنموي الجديد. تناول الملك كل هذه المواضيع في تفردها النسبي، وأيضا في تكاملها الضار في بعض الأحيان. يجب أن يجعل النموذج التنموي المقترح على عامة الناس من هذه المواضيع المجتمعة تعمل في تفاعل قابل للتطبيق. هذا رهان خاص بكبار القادة السياسيين.
من جهة أخرى، لم ينته المغرب المستقل، بعد، من الاستجابة لمطلب رئيسي آخر. الأمر، هنا، يتعلق بالتعليم. كان يجب العمل على ضمان استمرار تمدرس الساكنة الشابة المتحمسة للتعلم وفن العيش، كما كان الحال في المدرسة العمومية ضمن أسسها الوطنية في بدايات الاستقلال.
اليوم، يجب إعادة النظر في طرق التدريس أخذا بالاعتبار التطورات الحالية التي لم تعد تقتضي الدخول إلى الفصل لتعلم الكتابة والقراءة. الآن يمكن التلقي والتعلم في إطار أشكال أخرى غير الحضور الجسدي.
هذه الثورة التكنولوجية في نقل المعرفة على وشك أن تصل إلى المغرب من خلال التعليم، ضمن ما أصبح يعرف بـ«التعلم عن بعد». لكن هل تلاميذ الأقسام الأولى وآباؤهم مستعدون بما فيه الكفاية لهذه الطريقة الجديدة في «التواجد في المدرسة دون التواجد الفعلي بها؟» والحال أنه، قريبا، لن يعود هناك ما يبرر ورقة الغياب الشهيرة التي تفتتح اليوم الدراسي كل صباح.
وهل يملك التلاميذ في الدواوير البعيدة والهامشية والتلاميذ الفقراء داخل المدن هواتف ذكية ويشتركون جميعا في شبكة الأنترنت، التي ستكون مجانية ومخصصة حصريا للتعليم. من المؤكد أن أجواء العودة إلى المدرسة هذا العام لن تكون كما كانت عليه في السنوات السابقة.
أعلن الملك في خطابه الأخير، أيضا، عن ثورة اجتماعية أخرى، تتعلق بتعميم التغطية الاجتماعية. وهي الآن حق مكتسب، ويمكن الدفاع عنه تماما أمام الهيئات القانونية الوصية على قطاع الشغل. هذا قرار طالما انتظره العاملون في القطاع غير المهيكل. لقد حان الوقت لكي يكون القرار كافيا وقابلا للترجمة على أرض الواقع، لضمان عمل كريم من أجل عيش كريم.
غالبا، ما تدفع الأزمات إلى تعلم الاجتهاد ورفع التحدي لربح رهانات ما فرضته من انكسارات. فيروس كورونا يدعونا إلى التكتل لتحويل مآسيه وخساراته لفتح كوة ضوء في الجدار للتطلع إلى المستقبل بأمل وتفاؤل.
يوسف شميرو
مدير النشر