تطورت أزمة وفاة محسن فكري قبل حوالي سبعة أشهر إلى أزمة سياسية متفاعلة، تحضر فيها رموز التاريخ بقوة.
ما تزال تطورات أزمة الريف، متفاعلة، إلى حدود كتابة هذه الأسطر بإيقاع متسارع، منذ بدء الاعتقالات في صفوف عدد من المواطنين، المشار إليهم باعتبارهم زعماء الحركية الاحتجاجية المستمرة في المنطقة منذ أكتوبر الماضي. بعد هدوء نسبي طيلة الأشهر الماضية، توترت الأجواء فجأة عندما أصدرت الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، إثر اجتماعها مع وزير الداخلية، بيانا شديد اللهجة يتهم نشطاء الاحتجاجات بخدمة أجندة أجنبية، لم يحددها المصدر بوضوح. ثم تراجعت الحكومة عن هاته الاتهامات، وشهدت مدينة الحسيمة مسيرة جديدة يوم 18 ماي الماضي، لم يتم منعها. لتنفلت الأمور مجددا بعد أسبوع واحد، على خلفية حادث صلاة الجمعة حين بادر ناصر الزفزافي، أحد أبرز وجوه الحركة الاحتجاجية، للرد على الخطيب داخل المسجد، وما تلا ذلك من اعتقالات واحتجاجات يومية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والاستجابة للمطالب التي يرفعها المتظاهرون.
لئن شهد المغرب طيلة السنوات الماضية احتجاجات محلية قوية، في عدد من المناطق، ثم موجة من المظاهرات المواكبة لسياق الربيع الديمقراطي لسنة 2011، فإن احتجاجات الريف هاته السنة تتسم بخصوصيات مميزة. لعل أبرز هذه الخصوصيات أنها تستمر منذ حوالي سبعة أشهر، من أكتوبر 2016، متزامنة مع الأزمة الحكومية التي تلت انتخابات السابع من نفس الشهر. زيادة على كونها تحولت من احتجاجات محلية يغلب عليها طابع المطالب الاقتصادية والاجتماعية، لتتسع دائرتها بتكاثر التعبيرات التضامنية بمختلف أشكالها، في مجموعة من مدن المملكة، وبعض المدن الأوربية حيث توجد جاليات مغربية. بدورها، تحضر الرموز التاريخية بقوة في هذه الحركية الاحتجاجية التي تشهدها منطقة الريف، من خلال الحضور المكثف لرمزية محمد بنعبد الكريم الخطابي، الزعيم الوطني البارز، ورايات جمهورية الريف، مقرونة في نفس الوقت بالراية “الأمازيغية”. ولعل حضور هذه الرموز هو الذي جعل بعض المعلقين ينبه للطابع الإقليمي لهذه الحركية، وما تحيل عليه من إحالات جهوية، فيما لم تتردد الجهات الرسمية ممثلة في أحزاب الأغلبية الحكومية، ووزارة الداخلية، في اتهام “الحراك” الشعبي بالريف في الوهلة الأولى، بخدمة أهداف “انفصالية”. وهي الاتهامات التي رد عليها المتظاهرون يوم 18 ماي الماضي بقوة، مؤكدين إدانتها ورفضها.
وليست هذه المرة الأولى التي توجه فيها مثل هذه الاتهامات لحركية احتجاجية في الريف، على خلفية تجربة الخطابي أثناء الغزو الاستعماري، فقد حصل ذلك أثناء الانتفاضة التي شهدتها المنطقة ما بين 1958 و1959، والتي تظافرت في إشعالها عوامل محلية، وأخرى سياسية مرتبطة بالصراع ضد حزب الاستقلال، وإسقاط حكومة أحمد بلافريج، بدءا بنقل كل من عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان جثمان عباس المسعدي من فاس لدفنه في أجدير.