لعبت القرويين، خلال مرحلة الحماية، دورا سياسيا هاما، ومثلت سندا حقيقيا للحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار. بل يعود الفضل إلى عدد من عناصرها في تأسيس الأنوية الأولى للعمل الوطني الحزبي. “زمان” تعود إلى صفحات من تاريخ المواجهة بين الإدارة الاستعمارية وعلماء وطلبة القرويين.
ارتبط العلماء والفقهاء في تاريخ المغرب، نظرا لمكانتهم في المجتمع، بما يجري في الساحة السياسية من أحداث. وهكذا، انقسموا بين من تبنوا مواقف السلطة وروجوا لها، ومن كانت لهم وجهة نظر ناقدة أو إصلاحية. وتبقى جامعة القرويين أبرز المؤسسات الدينية في التاريخ المغربي، التي احتضنت علماء وفقهاء كانت لهم آراء حول ما يدور داخل المجتمع، ولعبوا أدوارا مركزية في المجال السياسي همت تأكيد البيعة، تأييد القرارات السياسية الكبرى أو معارضتها، مجابهة الاحتلال وغيرها.
رأت مختلف الدول، التي تعاقبت على حكم المغرب في القرويين، مصدرا لإعداد العلماء، وفي عصر العلويين سيتعاظم دور هؤلاء العلماء وتأثيرهم. فمن المعلوم أن السلطان محمد الثالث حاول أن يجعل المؤسسة من بين الاختيارات الدينية للدولة. ودفع استفحال أزمة اصطدام المغرب بالأوربيين، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، العلماء إلى مزيد من التسيس الذي فرضته مكانتهم ومسؤولياتهم تجاه المجتمع. وهكذا، أعلنوا بوضوح تصديهم لمحاولات الغزو الأوربي للمغرب، واستمر تصلب مواقفهم أمام التدخل الأجنبي حتى مطلع القرن العشرين. فواجهوا الفرنسيين ومساعيهم لاستعمار المغرب، حتى قبل توقيع معاهدة الحماية.
لا للأجنبي
شكل مؤتمر الجزيرة الخضراء، سنة 1906، محطة هامة بالنسبة لعلماء القرويين لإعلان مواقفهم المعارضة لمخرجات الميثاق الذي وقعه السلطان المولى عبد العزيز. ولعبوا أدوارا هامة في الإطاحة بالسلطان عبد العزيز وتعويضه بأخيه المولى عبد الحفيظ، قبل أن ينتقدوا بعدها عبد الحفيظ نفسه، حينما أخل ببعض مقتضيات البيعة. بل دعوا، علنا، إلى الجهاد ضد الأجانب.
كان من أبرز هؤلاء العلماء، محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي دعا، في كتاباته، إلى مقاومة الأطماع الخارجية منتقدا سياسة السلطان عبد العزيز المهادنة للأجانب، قبل إعلانه بيعة مشروطة لعبد الحفيظ مقرونة بـ«رفع شروط الخزيرات، وإخراج المحتلين من المناطق التي أخضعوها، وعدم استشارة الأجانب في شؤون الأمة». قبل أن يجهر الكتاني بمعارضته لسياسة عبد الحفيظ البراغماتية والتي انتهت إلى القبول بشروط الخزيرات.