طويت صفحة عبد الإله ابن كيران بخطوة، أخرى، إلى الوراء في هذا المسار المعقد نحو الديمقراطية المأمولة. مؤكد أن سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المعين خلفا له، ينتمي للحزب الأول، كما ينص على ذلك الدستور، وأن الصيغ غير الدستورية التي تدوولت لحل أزمة تشكيل الحكومة، لم يؤخذ بها. من وجهة نظر الدستور، احترمت المعايير الديمقراطية، وهذا في حد ذاته تقدم بالمقارنة مع الماضي القريب… لكن المشكل في العمق لم يكن دستوريا، ولا يتعلق بمشاركة هذا الحزب أو ذاك في الحكومة، بل باستقلالية رئيس الحكومة.
أشهرا قبل إجراء الانتخابات، في 7 أكتوبر الماضي، كان يقال إن ثمة استعدادا مبيتا لكي لا يشكل عبد الإله ابن كيران حكومته، ولو تصدر حزبه النتائج. وقد تعرض هو نفسه لهذا الاحتمال في إحدى خطبه أثناء الحملة الانتخابية، مناشدا ناخبيه أن يمنحوه أغلبية مريحة. لكن هذا السيناريو كان يبدو مستبعدا، ضربا من العبث. ثم قيل إنه كاد يتحقق، في صيغة مختلفة، منذ 8 أكتوبر. وإن الاعتراض على وجود حزب الاستقلال في الحكومة ناشئ عن إجهاضه لهذه الخطة المفترضة. ثم بدأ مسلسل الجمود الطويل، بسبب إصرار رئيس الحكومة على إعطاء هذا المنصب مضمونه الحقيقي. أن يسود قراره، هو الحاصل على ثقة الأغلبية العظمى من الناخبين، فوق أية اشتراطات أخرى. كانت معادلة مستحيلة، إذ لم يبق أمام ابن كيران سوى السعي لإعادة الانتخابات، لكن الظروف المغربية ما تزال بعيدة عن أن تحتمل هذه الدرجة في الدفاع عن استقلالية القرار السياسي. لم يبق أمامه سوى التخلي عن منصبه، حفاظا على استقلالية قراره، وكذلك كان. جوهر الأزمة أن ابن كيران تقدم على طريق تسييد الشرعية الانتخابية، وكل التفاصيل التي ظلت تؤثث الصخب الإعلامي حول هذا المسلسل الطويل، عديمة الأهمية. أن ينزل رئيس حكومة منتهية ولايته، بنفسه إلى الميدان، ويترشح للانتخابات، ثم تفوز لائحته بثلاثة مقاعد، ليس تفصيلا صغيرا في بلد ما يزال يسعى لـ“الانتقال“ نحو الديمقراطية، حيث تستمد السلطة شرعيتها من التفويض الانتخابي. بالنسبة لكل الذين يتصورون مصالحهم في نطاق النسق التقليدي للتفويض المخزني، يعتبر ما جسده ابن كيران تحديا للأعراف والتقاليد! وخطوة نحو قدر أكبر من الاستقلالية. لذلك جند، من جند، لإجهاض هذا المسار. للمفارقة، كان البعض يتكلم عن الملكية البرلمانية، مؤاخذا ابن كيران بالتخلي عن صلاحياته… بينما كان هو يمارسها، بالقدر الذي بدا له ممكنا، ولو لم يتعد هذا القدر مجرد النزول للميدان والحصول على تفويض انتخابي، يسند التعيين الملكي، ويؤسس له، ما دام أن الدستور يفتح هذا الأفق، متجاوزا كل دعاة الجمود والتأويلات السلفية المناقضة للتأويل البرلماني.
لسوء حظ الانتقال الديمقراطي في المغرب، أن الذي يتصدر واجهته، غالبا ما يكون معزولا، أو يكاد. كذلك كان شأن الاتحاد بالأمس، وكذا هو شأن عبد الإله ابن كيران، بالذات، اليوم. لحسن الحظ، أن رصيد هذا الانتقال مفتوح تتراكم في رواقه المكاسب، بقدر ما تحاصرها الإحباطات.
إسماعيل بلاوعلي