2016/01/12
لاحظ بعض المعلقين باستغراب تفاوت التصريحات بين رئيس الحكومة ووزيره في الداخلية، حول تدخل الشرطة لمنع مسيرة الأساتذة المتدربين الاحتجاجية في مدينة انزكان. بينما قال عبد الإله بنكيران إنه لم يعلم بوقوع التدخل الأمني في حق المتظاهرين، أكد محمد حصاد أن منع تلك المسيرة كان باتفاق مع رئيس الحكومة. ثمة، فعلا، فرق بين العلم بقرار منع المسيرة، وعدم العلم بطريقة تنفيذ هذا القرار. خصوصيات السياسة في المغرب تحتمل وجود مثل هذا الخيط الرفيع!
طبيعي أن يظهر التفاوت بين التصريحين تناقضا. ليس في الأمر أي سوء نية. هناك استعداد تلقائي لدى المعلقين والجمهور لإدراك هذا التناقض، بل البحث عنه في أحيان كثيرة، والاستغراب إذا ظهر العكس! ذلك أن الازدواجية بين ما يمثله رئيس الحكومة وما يمثله وزير الداخلية معطى بديهي راسخ في الأذهان. جزء من التقاليد السياسية العريقة لبلادنا. يصبح الأمر بديهيا أكثر إذا كان رئيس الحكومة زعيما سياسيا من حزب تصدر نتائج الانتخابات، بينما وزير الداخلية “لا منتم”.
يتصور الناس أن النصيب الأوفر من السلطة التنفيذية يوجد وراء أسوار وزارة الداخلية، وما يتفرع عنها من ولايات وعمالات على امتداد التراب الوطني. أن هذه الوزارة هي التجسيد الفعلي لما يعنيه لفظ “المخزن”، والتعبير المادي عن أصالة النظام السياسي. لذلك، ربما، يحرص رئيس الحكومة، من حين لآخر، على الحديث عن هذه الوزارة بشكل طبيعي. كأنه يحتاج ليؤكد للجمهور أن الأمور تتغير، أنه الرئيس الفعلي للحكومة، يتصل بوزير الداخلية ليأخذ المعلومات ويعطي التوجيهات، ويقترح الولاة والعمال، بينما لم يستطع من سبقه حتى جمعهم في مقر الوزارة الأولى… فهل تتغير الأمور فعلا؟
الظاهر أنها تراوح مكانها، تتأرجح باستمرار بين قوة تدفعها نحو المعاصرة، وأخرى تجرها نحو الأصالة. لا أدل على ذلك مما حصل أثناء الانتخابات الجماعية الأخيرة. لقد اضطر رئيس الحكومة ليتراجع عن حضور اجتماعات الإشراف على الانتخابات، موكلا الأمر لوزيري الداخلية والعدل.
2016/01/24
احتضنت شوارع الرباط مظاهرة جديدة ضد الحكومة. منذ مدة والأساتذة المتدربون يخوضون إضرابا عن الدارسة اعتراضا على قرار حكومي يخص تدبير هذا القطاع. بينما تصر الحكومة على التشبث بقراراتها، ويخرج رئيسها تحديدا ليعلن أنه لا يخشى الهزيمة في الانتخابات بسبب السياسات التي تنفذها حكومته.
احتضان الشارع للمعارضة أصبح أمرا مألوفا ببلادنا. كلما أحست فئة من المجتمع بتضرر مصالحها تخرج إلى الشارع لتدافع عن نفسها. قد يكون ذلك تعبيرا عن اتساع مجال المشاركة السياسية، وقد يكون تعبيرا عن اختناقها.
الذي يخرج إلى الشارع ليدافع عن مصالحه يشعر بالتأكيد أن لا أحد يمثله في المؤسسات المنتخبة، أو أن جميع ممثلي الأمة متفقون على نفس الحل للمشكل المطروح. لعل مشكلة الأساتذة المتدربين مثال على ذلك. من يعبر عن وجهة نظرهم داخل البرلمان؟ من يدافع عن مصلحتهم؟ لا المصلحة الفئوية المرتبطة بمطالبهم المادية فقط، بل المصلحة العامة المرتبطة بتصور معين للحق في التعليم العمومي؟ لأن هذا هو جوهر القضية. هل تستمر الدولة في توفير تعليم عمومي للمواطنين مقابل ما يؤدونه من ضرائب، أم تفوض الأمر تدريجيا للخواص، أم تنهج نظاما مختلطا يؤدي فيه جزء من المجتمع تكاليف التعليم العمومي الناهضة…؟
لا يعقل أن لا تعبر النخبة البرلمانية، عن وجهات نظر مختلفة بخصوص موضوع حيوي مثل الحق في التعليم العمومي! إذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن هذه النخبة منفصلة عن المجتمع، ولا تعبر عن التناقضات الطبيعية وسطه. النتيجة أن السياسة تتحول إلى مواجهة عقيمة بين محتجين يراهنون على الصمود في الشارع، وسلطة تراهن على القوة لفرض قراراتها.
ماذا عن النخبة السياسية التي تنزل مع النازلين إلى الشارع؟ الظاهر أنها لا تطمح لاقتراح سياسة بديلة، في موضوع الاحتجاج أي التعليم العمومي. الشارع، بالنسبة إليها، فرصة دائمة لقلب الأوضاع تماما وفرض واقع جديد. المحتجون أيا كانت مشاكلهم ومطالبهم “ثوار” بالقوة لا يلزم سوى توجيههم ليتحولوا إلى ثوار بالفعل. لكن هؤلاء لا يريدون تغيير أي وضع، بل حل مشاكلهم الظرفية فقط، “الخبزية” كما يصفها البعض. هذا وجه ثان لاختناق المشهد السياسي. لا الشارع يصنع سياسة، ولا البرلمان يؤثر فيها.
إسماعيل بلاوعلي