في هذا الحوار، يستحضر المؤرخ الطيب بياض الأسباب والمعيقات التي حالت دون نجاح المغرب في تجسيد إصلاحاته على أرض الواقع.
راكم المغرب عدة مشاكل ومعيقات، منذ القرن التاسع عشر، أربكت محاولاته الإصلاح. ما مدى تأثير معركة إيسلي وحرب تطوان على الوضع الاقتصادي بالمغرب قبل أن يدخل فترة الحماية؟
كانت المعيقات والمشاكل بنيوية، أو بلغة السلطان مولاي عبد الحفيظ: “داء العطب قديم”، إذ تقاطع فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالذهني، وهي في كل الأحوال ليست وليدة القرن التاسع عشر، بل نتيجة تراكمات قرون طويلة. ما حصل في إيسلي وتطوان مجرد تجل عسكري لخلل بنيوي. ودعني أوضح أكثر وأستحضر في هذا الشأن نصين معبرين للناصري في الاستقصا، إذ يقول عن معركة إيسلي: «وقال المرجفون إن الخليفة قد هلك فماج الناس بعضهم في بعض، وتسابق الشراردة إلى المحلة فعمدوا إلى الخباء الذي فيه المال فانتهبوه وتقاتلوا عليه، وتبعهم غيرهم ممن كان الرعب قد ملك قلبه، وجعل الناس يتسللون حتى ظهر الفشل في الجيش من كل جهة، فتقدم بعض الحاشية إلى الخليفة وقال له يا مولانا إن الناس قد انهزموا وهم الآن بالمحلة يقتل بعضهم بعضا ويسلب بعضهم بعضا… ونفذ أمر لله ولم يهزم المسلمين إلا المسلمون». هذا يعني أنه لا يمكن أن تنتصر في معركة بجيش من المحتاجين والجياع، جنوده حُراك قبائل مرغمين على القتال بدون رواتب محددة ولا مؤونة كافية، قبل الحديث عن التدريب والتسليح.
ألم تكن الأوبئة والمجاعات تهدد ديموغرافية المغرب خلال هذه الفترة وما سبقها بشكل دوري؟ كيف يمكن أن تنتصر باقتصاد منذور للقلة والكفاف على بورجوازية في مرحلة وثوب؟ وهل تستطيع مواجهة الأنوار بذهنية التحريم؟
هذا الخلل البنيوي أكدته حرب تطوان، فقد كان أهل تطوان قد شكوا إلى مولاي العباس ما نزل بهم من أمر العدو الإسباني، واستأذنوه في تحويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إلى مداشر الجبل، وحيث يأمنون على أنفسهم قبل أن تداهمهم القوات الإسبانية فأذن لهم، لكن ما أثار صاحب الاستقصا هو ما عبر عنه بالقول: «ولما سمع الناس كلام المولى العباس انطلقوا مسرعين إلى نقل أمتعتهم وقام الضجيج في المدينة… وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب وخلع الناس جلباب الحياء وانهار من كان هناك من أهل الجبل والأعراب والأوباش ينقبون ويكسرون أبواب الدور والحوانيت والداخل للمدينة أكثر من الخارج وباتوا ليلتهم كذلك إلى الصباح ولما طلع النهار وتراءت الوجوه انتقلوا من نهب الأمتعة إلى المقاتلة عليها فهلك داخل المدينة نحو العشرين نفسا وعظمت الفتنة فتخوف من بقي بتطاوين عاجزا عن الفرار فاجتمع جماعة منهم… وتشاوروا فيما نزل بهم فأجمع رأيهم على أن يكتبوا كتابا لكبير محلة العدو يطلبون منه أن يقدم عليهم لتحسم مادة الفتنة».
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 76 من مجلتكم «زمان»، فبراير 2020