عرف عن المفكر المغربي محمد سبيلا كمفكر الحداثة، باعتباره واحدا من الذين أسسوا ونظروا فلسفيا لمفهوم الحداثة على المستوى العالمي والعربي. لكن هذا المفكر لم يحد هذا المسار إلا بعد تجربة طويلة داخل العمل السياسي. فقد مر في ريعان شبابه بحزب الاستقلال قبل أن يختار التوجه التقدمي في سنة 1959 والاصطفاف إلى جانب المهدي بنبركة ومحمد عابد الجابري وعبد الله إبراهيم. تحمل مسؤوليات داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في فترة احتدامه مع السلطة، لكن تعرضه لـ”خيانة” من طرف المقربين له بعدما شابت الحزب والتنظيم خلافات وخروقات أدت به إلى اعتزال السياسة والانكباب على تشريح الإيديولوجية التي تفتك بالمجتمعات. في هذا الحوار، يكشف المفكر المغربي الخبايا الإيديولوجية للسياسيين وما عاناه داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بالإضافة إلى علاقته بالمفكرين كالجابري والعروي وعلاقة السياسي بالفكري.
في البداية حدثنا عن نشأتك ودراستك؟
من مواليد المذاكرة سنة 1942 بمنطقة أولاد زيان شرق الدار البيضاء، بمركز قروي أنشأه الاستعمار، يضم كل القطاعات الأساسية من الفلاحة والإدارة. درست بإحدى مدارس الحركة الوطنية التي كانت تسمى بمدارس “التهذيب”، تجمع ما بين التعليم التقليدي والتعليم العصري الذي يهتم بقضايا الهوية والنهضة العربية. بعدها، فرض المستعمر على والدي أن ينقلني لمدرسة عصرية تابعة لمؤسساته، حيث احتضنني الأساتذة الفرنسيون واهتموا بي. ربما هذا نوع من المفارقة، لأن والدي كان من رجال المقاومة. وفي مرات كثيرة، اعتقل بسبب نشاطه داخل حزب الاستقلال. وعلى ذكر حزب الاستقلال فقد كنت أقرأ لجموع كثيرة من الناس جريدة “العلم”، وذلك لأن أغلبهم لا يجيد القراءة. من هنا زرعت فيّ شوكة السياسة والاهتمام بها.
ما الذي ما يزال راسخا في ذاكرتك عن تلك المفارقة بين المستعمر والمعلمين، وربما أثر في تفكيرك وأبحاثك لاحقا؟
من المفارقات التي عشتها أنني كنت أحظى بعناية من مدير المدرسة ومن المعلمة التي كانت تعطيني أحيانا خبزا وشكلاطة. ومن خلالهما، اكتشفت بعض الآلات كالراديو وكاميرا التصوير. وبجوارنا كانت تقيم عائلة فرنسية تشتغل في الإدارة المكلفة بتطوير الزراعة والفلاحة ولديهم دراجات هوائية… هذه الأشياء ترسخت في ذهني وأنا حينها ابن البادية، فانطبعت في طفولتي وأبهرتني، وهي جذور اهتمامي بالمسألة التقنية لاحقا خلال اشتغالي بالقضايا الفكرية والفلسفية. الانبهار كان مفعوله سحريا.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 76 من مجلتكم «زمان»، فبراير 2020