فرضت الطبيعة الصعبة عزلة على الريف، ولم يزدها الاستعمار الإسباني إلا قسوة. واستمرت تلك العزلة حتى بعد الاستقلال.
ما يزال أهل الشمال يشيرون إلى المناطق الجنوبية للبلاد كـ”داخلية”، وكأنهم يضعون أنفسهم خارج هذا المغرب الذي كانوا دائما ثغره وجبهته الأمامية في وجه الخطر المسيحي الآتي من الشمال. وهذا التمييز بين “داخل” المغرب و”خارجه” ليس كما يظن الكثير من الناس وليد التقسيم الاستعماري للمغرب بين “مغرب فرنسي” و”مغرب إسباني”، فاستعمال “الداخلية” أقدم من ذلك بكثيـر، وحتى قبل الاحتلال الإسباني للمنطقة الشمالية نجد إشارات في المراسلات المخزنية إلى “داخل الإيالة الشريفة”، مما يدل على أن التمييز هو أقدم من استعمار القرن العشرين.
الجغرافية قبل التاريخ
وضعية الريف المتميزة، كما نعرفها اليوم، هي نتاج للتاريخ، ولكن التاريخ وحده لا يستطيع شيئا إذا وقفت الجغرافية عنيدة في وجهه. وهذا هو حال الريف الذي يمتد من طنجة إلى الحدود الجزائرية. فالأمر يتعلق بسلسلة من الجبال التي تمتد في شكل قوس محاذ للبحر، لكنها جبال عالية شديدة الانحدار نحو الشاطئ مع انعدام أراض ساحلية منبسطة تسمح بالاستغلال الزراعي واستقرار السكان. وحتى الأنهار والجداول التي تصب في البحر المتوسط فهي غير ذي أهمية لضعف صبيبها وجفافها خلال جزء كبير من السنة، لذلك فالأودية الصالحة للزراعة واستقرار السكان قليلة وضيقة كما هو الحال بالنسبة لوادي بني بوفراح الذي يصب بالقرب من مرسى بادس، أو وادي النكور الذي يشق بسيط أجدير بالقرب من الحسيمة. أما الأودية الكبرى التي لها شأن، مثل نهر ورغة، والتي تتجمع فيها معظم مياه التساقطات بالريف، فتجري جنوبا وتذهب لتسقي سهول الغرب، وكأن الطبيعة هي الأخرى قد أصرت على عدم إنصاف المنطقة.
محمد المنصور
تتمة الملف تجدونها في العدد 45 من مجلتكم «زمان»